الأحد، أغسطس 29، 2010

نحتاج إلي إصلاح العقل العربي أولاً



"الأهرام المسائي" تفتح ملفات إصلاح الفكر الديني
إيمانا منها بضرورة إعمال العقل وإطلاق الاجتهاد إلي مداه الواسع، دعوة منها إلي وسطية دينية ـ إسلامية ومسيحية، ويقينا منها أن إصلاح الفكر الديني يعد الخطوة الأولي علي طريق المواطنة والحرية والإسهام في الحضارة الإنسانية.
إصلاح الفكر الديني ضرورة ملحة وسنة كونية،
والحديث عن تجديد الخطاب الديني لا يعني المساس بالكتب السماوية،
 فالفكر الديني نتاج بشري في ظروف وواقع تاريخي معين.
 وهناك حتمية يتحدث عنها المصلحون الآن لتجديد الخطاب الديني وإصلاح الفكر وإفاقة العقل العربي من غفلته. 

الدكتور علي مبروك ـ أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة ـ أكد في حواره لـ "الأهرام المسائي"
أن العقل العربي الراهن يعيش أزمات اقتصادية وسياسية وثقافية
 لكونه عقلا غير فاعل وعاجزا عن إيداع حلول لمشكلات واقعه.
كما أن الفكر العربي صار ناقلا مقلدا مكررا بغير فهم لأفكار السلف، فلم يأت بحلول جديدة لمشاكل واقعنا العصري، وهو مايتطلب تغيير البنية العقلية لثقافة المجتمع من خلال وسائل إعلامية وتعليمية جديدة. فإلي نص الحوار..

- ماهو تعريفك لإصلاح الفكر الديني ؟
- أولا يجب أن يعرف الناس أننا عندما نطالب بتجديد الخطاب الديني
لا نتعرض للنصوص المقدسة من الدين في القرآن والسنة.
 لكن نحن نريد إصلاح الفكر الديني وهو المنتج البشري لفهم الدين والنصوص والذي قد يكون صحيحا أو تشوبه أخطاء.
والفكر الديني نتاج علاقة تفاعلية بين الوحي المنزل والعقل الانساني والواقع الذي يعيش فيه البشر في لحظة تاريخية محددة.
 ومادمنا نتكلم عن الفكر فنحن إذن نتحدث عن شيء يمكن التحاور معه بطريقة خلاقة لمناقشته وفهمه، خصوصا أن هذا الفكر الديني المتراكم يشكل ثقافة المجتمع.
 ولاشك أن هناك هوية مشتركة بين الفكر الديني الذي نشأ في فترة تاريخية ما وثقافة مجتمعنا الآن.

- هل تعني أن هناك أزمة في الفكر العربي عامة ؟
- بالفعل عقلنا العربي الراهن في أزمة،
 والأزمة تأتي من كونه عقلا غير فاعل وعاجزا عن إبداع حلول لمشكلات واقعه،
والواقع العربي متأزم اقتصاديا وسياسيا وفنيا واجتماعيا، 
وأزمة أي مجتمع عنوان علي أزمة هذا الواقع،
ومادامت هناك أزمة في الواقع وأزمة ممتدة عمرها قرون فيجب التصدي لها ودراستها ووضع الحلول لها،
 وفي مصر الأزمة مضاعفة فلم نستطع أن نوجد حلولاً لأزمة القمامة لنأتي بشركات أجنبية لحلها،
 رغم أن هذه الشركات لا تأتي بعمالتها بل تأتي بعقلها لحل المشكلة،
وهذا مثال لمدي الأزمة التي نعانيها فكريا وعقليا. وخلال الثلاثة قرون الأخيرة لا يوجد إبداع عربي صدرناه للغرب، أو علي الأقل سعينا به لحل مشاكلنا.
ومن هنا فالأزمة طالت إعلامنا والفكر الديني والدعوة والتعليم وتكاد تكون الأزمة تختزل كل مظاهر الحياة العربية، بالتالي. 
هذا يعني إجمالا أن العقل يعاني من أزمة كبيرة.

- ما الحل لعلاج أزمة العقل العربي ؟
- يجب أن نفتش ونتأمل وندرس الفكر العربي ـ الديني بوجه خاص ـ
وإعادة التفكير في الفكر الديني القديم لا يعني أننا نريد أن ننتقد هذا الفكر بل نريد أن نفهم سر الأزمة.
 فقد توقفنا عن الفكر الديني القديم ولم نعد نفكر بل ننقل الفكر ولا نأتي بجديد،
فالعصر الذي وضع فيه هذا الفكر كان عصرا نشطا ومتقدما،
سعي المفكرون فيه لوضع حلول لمشاكل عصرهم. أما العقل العربي الآن فصار ناقلا مقلدا مكررا لا يأتي بجديد وعاجزا وأصبح عالة علي الآخرين.
- هل الأزمة في تقديس الموروثات الفكرية ؟
- الأزمة ليست في الموروث بل في موقفنا من الموروث، فهل هو موقف المكرر المردد أم الساعي لفهم هذا الموروث ومدي ملاءمته لعصرنا وواقعنا.
وهناك مشكلة أخري تواجهنا الآن وهي موقفنا الآن من الحداثة،
 فإذا دخلنا مرحلة الحداثة بنفس الفكر الجامد الموروث سننتج فكراً مكرراً ليس جديدا عن الفكر الجامد. فللأسف تعامل العرب مع الحداثة فاضح وكارثي. وهنا إذا اكتشفنا أن المشكلة في العقل يجب أن نعمل علي إصلاح هذا العقل. والصيغ القديمة للفكر العربي مازالت ثابتة، فقد دخل العرب القرن التاسع عشر بصيغة فكرية هي نفسها التي دخلوا بها القرن العشرين ثم دخلوا بها القرن الحادي والعشرين وهي صيغة موقف العرب من التقدم والتخلف والحداثة، ومع ذلك لم ينجحوا في اجتياز هذه المسألة.

- ماوسائل إصلاح الفكر الديني إذن ؟
- أولا أريد أن نضع خطة لإصلاح العقل العربي قبل اصلاح الفكر،
 فأزمتنا أزمة عقل يجب اخراجه من أزمته.
 وعلي النخبة المثقفة المصرية من كل المجالات التعليم والاعلام والمفكرين ورجال دين مستنيرين في الأمة العربية أن يحتشدوا لوضع خطة لاخراج العقل العربي عن أزمته.
- هل يمكن القول إن إصلاح التعليم خطوة نحو إصلاح هذا الفكر ؟
- مايحدث في التعليم حتي الآن لا ينبئ باخراج العقل من أزمته،
 فالتعليم للأسف لا يربي ملكات النقد أو الابداع فهو قائم علي الحفظ والترديد.
 وهذا يعني أنه يرفض تشغيل العقل والفهم الذي يفترض مسئوليته عن تنقيح الفكر.
- ماهو دور النخبة المثقفة ؟
- المثقف دوره التأمل والتشخيص ووضع اقتراحات للحلول،
والمثقف المصري موجود من كل التخصصات،
 لكن للأسف النخبة المثقفة تنشغل بالأسئلة الصغيرة عن السؤال الأهم والأكبر وهو إصلاح الفكر والعقل،
وعدم انتباه المثقف للأزمة يعني أنه مثقف مأزوم لا يهمه سوي السلطة فيقدم لها الخطاب التبريري أو التجميلي، يجمل حكمها أو تسلطها مقابل مكاسب يتحصل عليها. لكن هناك محاولات الآن علي نطاق صغير في مناطق مختلفة من الوطن العربي لديها وعي بأن هناك أزمة، والوعي هو بداية الحل للأزمة لأنك عرفت المشكلة.
وعلي النخبة عامة أن تعدل موقفها من التراث والحداثة بشكل عقلي ونقدي لنعلم أين طريقنا للإصلاح.
- هل توعية المجتمع بوجود أزمة في الفكر خطوة نحو الإصلاح ؟
- نعم، فيجب أن يشعر المجتمع بوجود أزمة وأنها هي التي تعرقل تقدمه،
 وهي التي جعلته تابعا اقتصاديا وسياسيا وثقافيا.
 وهنا نستطيع وضع استراتيجيات عمل لحل الأزمة.
 وهناك تيارات مختلفة تشكلت في الوطن العربي بجهود محدودة لكن ربما تتحول هذه الجهود الي نهر من الفكر تخرج العالم العربي من أزمته.

- هل حل أزمة الفكر يأتي بقرارات سياسية؟
- التفكير بأن القرارات السياسية هي التي تصنع التغيير الفكري للمجتمع تفكير خاطيء،
والمطلوب اختراق ثقافة المجتمع من اتجاهات أخري من خلال تغيير الثقافة وتغيير البنية العقلية من خلال وسائل إعلامية وتعليمية جديدة.
ولدينا نماذج من المجددين في الفكر الديني أمثال محمد عبده لا يزال فكرهم قائما، يجب دراسته ونشرة وإيصاله للناس، بالإضافة الي تنقيح الفكر من الخرافات.

- ما رأيك في الإعلام الديني والفضائيات الدينية؟
- للأسف كل الشعوب استفادت من التكنولوجيا الحديثة بشكل إيجابي لكن نحن عادت علينا بأثر سلبي،
فصارت تلك الفضائيات أبواقاً لنشر أفكار متخلفة ومضللة للفهم الديني.
وبالتالي صارت كل ما تبثه هذه الفضائيات من الثوابت والأمور المسلم بها لدي الناس، فاكتسب ما تقدمه صفة الإطلاق.

- ما علاقة الفكر الديني بالسياسة؟
- للأسف ما يحدث في مصر توظيف للدين في السياسة بشكل بالغ الفجاجة،
 فالمؤسسات الدينية المسيحية والإسلامية تعمل بالسياسة ويتم استغلالها سياسيا.
قد تتصور المؤسسات السياسية أنها تستخدم المؤسسات الدينية لتحقيق مكاسب ما لكنهم في أغلب الأوقات ـ ولايشعرون ـ ملتهمون من قبل المؤسسات الدينية.
الآن الي علاقة الكنيسة بالدولة تجدها علاقة "عض أصابع" متبادلة وهي مسألة بالغة الوضوح.
وأري أن علاقة الدين بالسياسة "لعبة خطرة" بسبب تأميم المؤسسات الدينية وإخضاعها للسياسة،
 فقد بدأ منذ بناء الدولة الحديثة في عهد محمد علي باشا إخضاع الأزهر لسلطة الحاكم وهو ما أدي الي انهيار دور مشايخ الأزهر،
فلم يعد هناك الشيخ المثقف الحقيقي سياسيا وثقافيا ودينيا، حيث كان رجال الأزهر يلعبون دور "رمانة الميزان" بين السلطة السياسية والشعب، وكانوا يجابهون السلطة ويقودون غضبة المجتمع.

- هل التعليم الأزهري يعاني أزمة بخلاف تأميمه؟
- إذا أخضعت الأزهر سياسيا فأنت طول الوقت تطلب منه إنتاج المواطن الذي تريده السلطة، فهل سينتج الأزهر ثواراً أو مفكرين مثلا.
- وماذا عن إصلاح التعليم الأزهري؟
- أي دعوة إصلاح تستحق التشجيع،
لكن أولا يجب أن نعرف ما هو مضمونه وهدفه ولغته، فهل التغيير سيكون للمضمون أم اللغة أم الفكر؟!.
 لكن الإصلاح الحالي "ترقيع" يثبت النظام القديم مع وضع لمسات جمالية.
 فطلاب الأزهر يدرسون ملخصات الفكر ولا يدرسون أمهات الكتب والنصوص الأصلية،
بالتالي يتخرج طالب الأزهر وهو غير فاهم للتراث الفكري جيدا.
وأرجو أن تتغير فلسفة الأزهر بحيث لا تظل حافظة ومرددة للتراث، بل منتجة لفكر إسلامي يسعي الي الفهم وليس مؤسسة للحفظ.
لكنني واثق أن شيخ الأزهر الحالي بخطواته الإصلاحية سيضع حلولا حقيقية، أرجو أن يوفق في تطبيقها.

- ماذا عن دور المؤسسة الدولية للدراسات القرآنية التي بدأ خطوات إنشائها المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد؟
- المشروع لا يزال في طور البداية،
 وسيكون أقرب الي معهد الكتروني للدراسات القرآنية،
إجراءات إنشائه تمت في إندونيسيا من خلال جهود بعض رجال الفكر الديني هناك ومعهم آخرون من بلدان مختلفة. ونحن نسعي من خلال هذا المشروع الي تقديم اجتهاد في إطار الفكر الديني ونحن نتصور أن هذا الاجتهاد قد يكون مناسبة جيدة لتقديم الإسلام الحقيقي القائم علي قيم الحرية والمساواة والعقلانية.
وأتصور أن يكون هذا المشروع خدمة للإسلام والإنسانية في ظل ما يقدمه الغرب من نهايات لكل شيء في الأيديولوجيا والكون والعقل والتقدم.
 وفي تصوري أن الإسلام قادر علي تقديم شيء عظيم لهذه الإنسانية المتخبطة.
من هنا قد يكون الإسلام حلاً حقيقياً لمشاكلنا.

- كيف تفصل هذه المؤسسة نفسها عن الأجندات السياسية؟
** نحن حريصون علي أن نبتعد عن أي شعار أو سلطة سياسية، لأن هدفنا الاستقلالية الفكرية، وألا يخضع هذا العمل لأي ضغوط سياسية. والمؤسسة تعتمد علي الحوار مع الشخصيات الدينية والتربوية وقيادات المجتمع المدني ، وهدفنا جميعا تقديم إسلام حقيقي. وعلي المسلمين الآن أن يجتمعوا علي الخروج من أزمتهم، فما يحدث من أفعال عنف وتجييش وعسكرة للإسلام صادر عن حالة يأس عام وليس كوعي، واليأس يقود الي الانفجار والتفجير.

- ما دور وسائل الإعلام في إصلاح الفكر الديني؟
- أنا رأيي أن وسائل الإعلام لا توجه الرأي العام بل هي خاضعة لما يريده الرأي العام، فتقدم له ما يريد أن يراه ويسمعه، وأتصور أن وسائل الإعلام تعمل علي دغدغة المشاعر وما يثير ولا يرقي الوعي والوجدان. فالخطاب الإعلامي مطلوب منه أن يحدد هدفه وموقعه من الإصلاح لخلق حالة وعي عام بمشاكل المجتمع وضرورات حلها.

- هل هناك علاقة بين أزمة الفكر الديني والفتنة الطائفية؟
** هناك احتقان طائفي في مصر، وللأسف هناك حديث طوال الوقت عن أن مصر دولة الوحدة الوطنية دون الوعي بما يحدث من محركات للاحتقان، فهناك طائفية شديدة في مصر علي الجانبين الإسلامي والمسيحي.
- تعني أن هناك طرفاً مضطهداً؟
- لالكن هناك تخندقا طائفيا من دعاة التعصب علي الجانبين يترك أثرا سلبيا علي عامة المسلمين والمسيحيين في النهاية، وهذا الأمر يتطلب تأنيا وتدبرا من أهل الاختصاص والعلم من الجانبين لأسباب هذا الاحتقان، لعل هناك أبعاداً خفية غير العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية.

- هل حل أزمتنا الفكرية يكمن في الوسطية كما يدعو البعض؟
- القطاع العريض من المجتمع المصري كان يعيش في الوسطية بعيدا عن الغلو أو التهاون في الدين، ومع هذا لم يخترق العنف الطائفي المجتمع.
 لكن يبقي سؤال:
هل الوسطية تتعرض للتراجع تحت وطأة خطاب الغلو؟
وهنا علينا أن نواجه الغلو بنشر الوسطية بعد بحث أسباب انتشار التيار المتشدد الذي تغلغل في المجتمع،
 فإذا كان الأزهر طوال تاريخه يقدم لنا نفسه باعتباره تيار الوسطية،
فيجب أن نبحث :
 ماذا حدث للأزهر، فظاهرة المد المتشدد خطيرة ومخيفة بالفعل.

تم النشر في جريدة الأهرام بتاريخ 29 أغسطــــــــس 2010
بقلم / محمد مندور 







الجمعة، يوليو 16، 2010

د/ على مبروك يروى تفاصيل الأيام الأخيرة فى حياة نصر حامد أبوزيد


كل ما قيل عن مرضه غير صحيح..

ولم يعرف أحد إلى الآن ماذا أصابه..

 وقال لى قبل وفاته ياعلي أنا الآن أرى «الله»



إذا كان الموت يعنى نهاية مشروع حياة الإنسان،
 فهذا معناه أن نصر حامد أبوزيد لم يمت؛
 لأن مشروع حياته فى الحقيقة كان على وشك الابتداء،
 وحتى الآن أنا لا أستطيع أن أتكلم حول «نصر» باعتباره ميتاً
 ولم أستوعب هذه الفكرة بعد،
لأنه مازال حاضرا معى فى كل تفاصيل الحياة، وأتخيل أن فترة مرضه وما أعقبها مجرد «حلم» سرعان ما سينتهى لأقابله مرة أخرى.
 هذا ما قاله الدكتور على مبروك أستاذ الفلسفة الإسلامية
وصديق الدكتور نصر حامد أبوزيد
ورفيق رحلته العلمية والبحثية والشاهد «الوحيد» على ما مر بـ«أبوزيد» من تطورات المرض،
 منذ بدايته وحتى آخر مراحله.
 وفى الحقيقة الحديث مع «مبروك» عن نصر أبوزيد لا يكشف لنا وجه «أبوزيد» الأكاديمى فقط،
 بل يتخطى هذا ليرسم بدقة وبراعة وجهه الإنسانى الذى طالما تجاهلناه،
 فمنذ خمسة عشر عاما، ونحن نتداول اسم نصر حامد أبوزيد مذيلا بإكلاشيه
 «مثير للجدل»
 لكن الغريب هو أن هذا الرجل كان غالبا ما يفضل الصمت،
 ولم يكن يظهر بوسائل الإعلام المختفلة والمتعددة إلا مرات معدودة،
 والأغرب هو أنك بصعوبة بالغة تتذكر نبرة صوته وإيماءاته ولزمات حديثه،
 وكأنه «طيف خفيف» تسمع عنه ولا تسمعه،
 فمنذ أن تم تكفيره وإصدار حكم بتفريقه عن زوجته اكتفينا بالكلام عنه دون أن نكلمه،
 وبالشجار حوله دون أن نحاول جدياً أن نتعرف إليه..
 خمس عشرة سنة، نعرف نصر «المشكلة» ولا نعرف نصر «الإنسان»
عن هذا الوجه الغائب وعن الأيام الصعبة، والغريبة التى مر بها أبوزيد بإندونيسيا ومصر يحدثنا الدكتور على مبروك عن أيام المحنة الأخيرة التى حولت نصر إلى ما يشبه الأسطورة.

«نصر»
 لم يمت، ولن يموت طالما لم يبدأ مشروعه الذى خطط له منذ سنين،
 عن هذا المشروع يحدثنا «مبروك» فيقول:
 منذ يناير الماضى ونحن نخطط لوضع الخطوات التنفيذية لنبدأ مشروعنا البحثى، التقينا فى يناير عشرة أيام ثم اتفقنا على خطوات البحث فى مارس وأبريل وكان لقاؤنا القريب فى مايو الذى اختبرنا فيه مشروعنا على عدد كبير من العلماء المسلمين القادمين من بيئات مختلفة
 للبحث عن جوهر الإسلام فى قلوبهم والاستفادة من تصور كل واحد منهم
 عن الإسلام،
وكان فريق المستشارين من العلماء يضم جنسيات متعددة وبيئات متنوعة بقدر كبير، سواء من أوروبا أو من أفريقيا أو من آسيا أو من الهند..
 وكان هذا المشروع نواة لـ«معهد الدراسات القرآنية» الذى كنا نحاول إنشاءه ليكون عملاً مؤسسياً لا عملاً فردياً ينتهى بانتهاء صاحبه،
 وليكون نافذة لنشر أفكار هذا المعهد فى العالم أجمع،
 وبشرط أن يكون هذا العمل بعيداً تماماً عن أيادى أى سلطة أو أية سياسة،
 ولذلك تقرر أن يكون مقر هذا المعهد بإندونيسيا،
 وأن يكون له فرع آخر بهولندا،
 والمؤلم أن نصر حاول أن يقيم هذا المعهد فى مصر..
 وحينما عرضه على أحد المسؤولين قال له إنه من أنصار مبدأ
«الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح»
 فكان هذا الباب هو نصر ذاته.

يقول مبروك:
 كان من المفترض أن نتوجه إلى هولندا فى 25 يونيو الماضى لحضور مؤتمر تكريمى لنصر حامد أبوزيد فى جامعته بمناسبة تقاعده..
 وكان هذا المؤتمر يحمل عنواناً جميلاً هو
 «كيف يمكن أن نقدم إسلاماً ذا وجه إنسانى»
وأعتقد أن إدارة الجامعة اختارت هذا العنوان فى إشارة منها إلى أن «نصر»
هو ذلك الوجه الإنسانى للإسلام،
 وأنه هو الإجابة الحية على هذا السؤال،
 وأنه هو الذى حل المعادلة الصعبة بالنسبة للغرب فى أن يكون المسلم متحضراً وعالماً وموضوعياً ومتسامحاً،
 لكن للأسف...
 لم نتمكن من حضور هذا المؤتمر لأن حالة نصر الصحية كانت قد بدأت فى التهاوى قبل هذا الميعاد بأيام.

لا يحب «مبروك» فكرة الكلام عن الحالة الصحية لأبوزيد وتطور مراحل مرضه،
 لما يتعرض له من ألم نفسى من هذه الذكريات الحزينة التى شاهدها عن قرب
 وكان مراقبها الوحيد، وأول مكتشفيها..
 فيقول كلمة ويؤخر كلمة ويخرج الكلام من فمه ممزوجا بالألم،
 وتفلت الكلمات من فمه متقطعة وكأنه يوشوش لك بسر:
 إلى الآن لم أستطع فهم ما جرى، فلم يكن هناك أعراض واضحة لأى مرض..
 وكان كل شىء عادى وكان نصر بكامل وعيه وتركيزه،
 فى كل تفاصيل الحياة، من أول احتياجاته اليومية وبرنامجه العملى،
 وحتى اتصالاته المتكررة بزوجته الدكتورة ابتهال التى كانت تمنحه قدراً هائلاً من المحبة والسعادة بمجرد أن يسمع صوتها
ويقول لها: أزيك يا حبيبى..
 لكن بمرور الأيام أدركت أن هناك شيئاً غير طبيعى،
 وحينما بدأت أشعر أن «الأمور فى النازل» وتأكدت من أنه ليس هناك إمكانية فى بقائه بإندونيسيا على هذه الحال،
 بدأت فى إجراءات العودة، إلى القاهرة..
 ولم أتمكن من السفر لأوروبا لمعالجته لضيق الوقت وصعوبة الإجراءات،
 فكانت القاهرة خيارى الوحيد،
 وفى الحقيقة لم أكن أتخيل أن تتفاقم المشكلة إلى هذا الحد، فـ«نصر» لم يكن يشتكى من شىء عضوى، ولم يتأثر أى جهاز حيوى فى جسده..
 وحتى مغادرتنا إندونيسيا كان فى حالة صحية ممتازة
 وخرجنا من الفندق معاً وركبنا الطائرة سويا «على رجلينا» دون مساعدة من أحد ولا إجراءات طبية، ولا أى شىء، وتناولنا الغذاء..
 وكنا نتكلم مع بعض طوال الطريق،
 لكنى منذ أن لاحظت تغيره لم أكن أتطرق معه إلى أمور فكرية عميقة،
 لأن ذهنه كان شارداً لأوقات كثيرة،
 وحينما كنت ألح عليه بالسؤال عن حاله كان يقول إنه يمر بمرحلة صوفية عميقة، وأنه فى حالة نادرة من السلام والصفاء،
 وهذا ليس غريباً على نصر، لأنه كان يعتبر نفسه من مريدى القطب الصوفى الأكبر «ابن عربى»
 وكان مفتوناً بالتجرية الصوفية الإسلامية، وكان زاهداً بالمعنى الكامل، فى كل أمور الحياة، وأول كلمة قالها فى أول محاضرة له بأوروبا هى
 «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله».

يستبعد مبروك فكرة أن يكون ما تعرض إليه «أبوزيد» بفعل فاعل..
 ويتهكم على من يروج فكرة أن هناك «مؤامرة» أوصلته إلى هذه الحال،
 ويقول:
 أرجو أن يتوقف خيال الناس عن إنتاج هذه المغالطات، فأنا أشهد أننا كنا نعامل فى إندونيسيا أحسن معاملة..
 والشعب الإندونيسى شعب طيب ومتسامح وكان يضع نصر على رأسه،
 وكانت تربط نصر علاقة قوية جدا بالرئيس الإندونيسى السابق عبدالرحمن واحد، وهو الذى استضافنا فى بلده واقترح علينا أن ننفذ مشروعنا به،
 وبالمناسبة لم يخضع نصر لأى فحص طبى خارج مصر..
 ولم نعرف حتى الآن سبب مرضه ووفاته..
 ومن يقول إنه كان يعانى من فيروس غريب أقول له بل جهلك هو الغريب،
فمن الواضح أن الأطباء حينما لم ينجحوا فى اكشاف السبب الحقيقى للمرض اخترعوا موضوع هذا الفيروس ليبرروا عجزهم وضعف مستواهم المهنى والعلمى،
ومن الملفت أن حالة نصر الصحية ازدادت سوءاً فى المستشفى
فى حين أنه كان يتناول عقاقير من المفترض أن تحسن حالته،
 ففى إندونيسيا كان يعى كل شىء ويدرك كل شىء وكنا كثيراً ما نتكلم حتى فى حالته فكان يقول لى أنه يمر بتجربة روحية ووجد صوفى
، ومشاهدة للحقائق..
 كان ينظر لى وكأنه لا ينظر لى، وأشعر كما لو كانت عيناه تخترق وجهى
 وترى ما وراءه، وكانت عينه تنظر إلى بسكينة واطمئنان ونور
 ثم قال لى:
 يا علي.. أنت شاهدي الذى لا يكذب يا علي.. أنا أمر بتجربة روحية عميقة وأشعر كما لو كنت أصل إلى مالم يصل إليه بشر.. يا على.. أنا الآن أرى الله.

يبتسم مبروك ويتذكر فتنقلب ابتسامته إلى وجوم:
 نصر كان بيحب الضحك، لكن فى الفترة الأخيرة أصبح أكثر ميلا للصمت،
 وكان لا ينطق إلا بحساب،
 وكأنما لا يريد أن يقطع عالم الصفاء الذى كان يحيا فيه بأية أمور دنيوية أخرى، وبرغم أن نصر كان «حكيم» طوال الوقت،
لكنه فى تجربة مرضه كان لا يتكلم إلا بالحكمة أو بالشعر،
 مجسداً قول النفرى
 «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة».

تم النشر في جريدة اليوم السابع بتاريخ 16 يوليــــــــو 2010
كتب / وائــل السمــــري

السبت، يوليو 10، 2010

عن نصر حامد أبو زيد


علي مبروك شريك الطموح ورحلة المرض:

 رأينا بوادر شروده فتصورناها تجربة روحية



الدكتور علي مبروك واحد من أهم زملاء نصر أبو زيد ورفاق رحلته البحثية
 في‮ "‬الدراسات القرآنية‮"‬،‮ 
‬بالإضافة إلي هذا فلقد رافقته في رحلته الأخيرة إلي أندونيسيا للبحث في مشروعهما المشترك حول إنشاء‮ "‬المعهد الدولي للدراسات القرآنية‮" ‬هناك‮.
‬عاصر مبروك مرض أبو زيد يوما بيوم،
‮ ‬كما عاصره بمستشفي الشيخ زايد بالقاهرة‮. ‬
يقدم لنا هنا تقريرًا عن مرض العالم الأخير،‮ ‬كما يحدثنا عن المشروع المشترك الذي يفترض أن يقوم بتغيير طريقة نظر المسلمين إلي تراثهم‮. ‬

شاركت نصر أبو زيد رحلته الأخيرة إلي أندونيسيا‮. ‬

كيف بدأت بوادر مرضه وكيف تم اكتشافها؟
المرض لم يتم التعامل معه منذ وقت مبكر كمرض‮. ‬عندما‮  ‬وصل إلي أندونيسيا كان بكامل لياقته الذهنية والعقلية‮.
‬قضي وقتا طويلا بكامل اللياقة ثم بدأت تظهر بوادر انفصال إلي حد بعيد،‮
 ‬مثل عدم التركيز فيما نقوله،‮ ‬كأنه مشغول بشيء ما حميم يخصه،‮
‬عندما حدث هذا عبرت عن انزعاجي لبعض الأصدقاء الذين نعمل معهم في مشروع‮ "‬المعهد الدولي للدراسات القرآنية‮".
‬كان تفسيرهم أن ما يحدث أقرب إلي تجربة روحية يمر بها نصر،
‮ ‬كان يتحدث بلغة من بلغ‮ ‬أخيرا حقائق الأشياء،‮ ‬كلامه كان فيه قدر كبير جدا من الإيجاز والكثافة في نفس الوقت،‮
‬وعندما عبرت له هو شخصياً عن انزعاجي طمأنني وقال له أنه دخل في تجربة معاينة‮.‬

استعمل لفظ‮ "‬معاينة"؟
بالضبط‮. ‬وقال أنه الآن يري الحقائق كما لم يكن يبصرها‮. ‬
أنا كنت أطمئن نفسي أنه ربما كان الموضوع فعلاً يسير في الاتجاه الروحي
 وليس الصحي،‮ ‬كنا نقوم بجولات طويلة ونلتقي بأشخاص فاضطررت لمغادرة نصر لمدة ثلاثة أو أربعة أيام‮.
 ‬وعندما عدت وجدت حالته قد أصبحت أكثر سوءاً‮.
تشاورت مع بعض الأصدقاء‮.
‬قلنا أنه لابد له من مغادرة أندونيسيا،‮ ‬إما إلي القاهرة أو أمستردام،‮ ‬والوحيدة التي كان يفترض أن تأخذ هذا القرار هي زوجته الدكتورة ابتهال يونس‮. ‬حدثتها تليفونيا‮.
شرحت لها أن هناك شيئا‮ ‬غير طبيعي في حالة نصر،‮
‬وأن هناك قراءة بأن ما يحدث له مجرد تجربة روحية،
‮ ‬ولكنني‮ ‬غير مقتنع تماما بهذه القراءة،‮ ‬وأنه من الصعب أن نجد في أندونيسيا من يفهم حالته ويتابعها‮.
 ‬واختارت أن يعود إلي القاهرة‮.‬
لم يكن ممكناً لنصر أن يسافر وحده إلي هولندا‮.
‬بالإضافة لهذا فبالتأكيد لم يكن لدي أي منا تقدير حقيقي لخطورة حالته في هذه المرحلة المبكرة‮. ‬عندها‮  ‬قررنا الانتقال للقاهرة‮.
 ‬نصر يتحدث ويأكل ويشرب بدون مشاكل‮.‬‮ ‬وجهزنا الأمر بحيث يكون هناك طاقم طبي في انتظاره،‮ ‬لم نذهب للبيت،‮ ‬ذهبنا إلي المستشفي مباشرة‮.
‬ولكن في مصر بدأت الأمور تتفاقم بشكل مريع‮. ‬

تعتقد أن الأمور كانت ستصبح أفضل لو كان قد وصل مبكرا إلي مستشفي؟
لا أعرف بالضبط مصداقية هذا الكلام‮.
‬ولا أستطيع الحكم علي أي كلام طبي،‮
 ‬ولكن عندما تركته لأول يوم في المستشفي كانت حالته لا بأس بها،‮ ‬
فقط لحظات قليلة يبتعد فيها ثم تصبح حالته علي ما يرام،‮
‬وعندما جئنا من المطار كان يتحدث مع السائق بشكل طبيعي جدا‮.
‬لابد لي من الإشارة إلي أن الخدمة الطبية في مصر سيئة فعلا،‮ ‬يكفي أننا قضينا عشرة أيام في المستشفي في حالة عدم يقين‮.
‬لم نكن نعرف مما يعاني نصر بالضبط‮. ‬
الأطباء كانوا يضعون فروضا ويختبرونها،‮
 ‬وكل فرض يقومون باختباره ليومين أو ثلاثة أيام،‮
 ‬قيل أنه يعاني من فيروس،‮ ‬وقيل جلطات صغيرة في الرأس ومالاريا والتهاب سحائي،‮ ‬يبدو أن الانهيار الذي أصابنا في كل المناطق لم يستبعد المجال الطبي‮.‬

هل كان في‮ ‬غيبوبة؟
لم يدخل أبدا في‮ ‬غيبوبة‮.
‬حتي الفترة التي انفصل فيها عن العالم كان مايزال يتحرك ويفتح عينيه،‮ ‬
وجسمه كان يقوم بكل وظائفه الحيوية‮.
‬أتصور أن معدل الانهيار في أندونيسيا كان أقل منه في مصر،‮
‬علي الرغم من تعاطيه للأدوية التي كان يفترض أن تساعد جسمه
علي مقاومة الفيروس‮. ‬
عبرت للطبيب عن هذه الملاحظة،‮ ‬ووافقني،‮ ‬بدون أن يعلق أو يفسر‮.
 ‬دوماً كان يقال لنا أنه مادام الجسم قد دخل في منطقة الفيروس
 فعلينا ان نتوقع أن تظل حالته هكذا لشهرين أو ثلاثة،‮ ‬
وعندما يشفي لا يمكن التنبؤ كم سيخسر من قدراته العقلية والذهنية‮.
‬وقيل لنا أننا نحتاج إلي وقت‮.
‬أصبت باليأس من كل هذا الكلام‮.
‬والآن لا أعرف هل يتعلق الأمر بأنه بدأ العلاج متأخرا،‮ ‬أم بالتأخر في القدرة علي تشخيص المرض،‮ ‬ولا أعرف أيضاً‮ ‬تفسير الفيروس،‮ ‬
هل هو صحيح أم لا‮.‬

ناقشتما في أندونيسيا موضوع إنشاء‮ "‬المعهد الدولي للدراسات القرآنية‮"‬،‮ ‬
إلي أية مرحلة وصل مشروعكما؟
أتصور أن هذا المعهد قد يكون أفضل تكريم لنصر حامد أبو زيد،‮ ‬
نحن العاملين بنفس المجال نتصور أن روح نصر موزعة فينا،‮
‬وهذا المشروع يظل هو الآداة والوسيلة التي نؤكد من خلالها أن نصر حي ومستمر في العالم،‮ ‬من خلال فكرته‮. ‬
انطلاقاً من فكرتنا المشتركة بأن المسلمين يعيشون أزمة مع أنفسهم ومع العالم،‮
‬وأن الإسلام قد تم اختطافه من جانب جماعات تدعي التماهي والتوحد معه وبالتالي ترتكب جرائم في حق المسلمين وغيرهم علي السواء،
‮ ‬ومن فكرتنا بأن المسار السياسي وحده لا يكفي لحل هذه المشكلة
 وأنه لابد من العمل علي مسار ثقافي‮ ‬،‮ ‬فكرنا في هذا المشروع‮.
‬منطقتنا منخرطة منذ قرنين في مشروع لبناء دولة حديثة ولكنها لم تؤد إلا لمزيد من الاستبداد والظلامية‮. ‬

ولماذا تم اختيار أندونيسيا؟
موضوع أندونيسيا جاء لاحقاً،‮
 ‬أخبرني نصر أنه عرض الأمر علي جهة مهمة في مصر،‮ ‬
وكان مقترحا لها أن تقوم بتبنيه،‮ ‬ولكن الجهة قالت له ببساطة أنهم‮
"‬لا يريدون وجع دماغ‮".
 ‬وجاء العرض من أندونيسيا،‮ ‬حتي من قبل أن نعرض المشروع علي أحد،‮
 ‬حدث هذا من خلال علاقات نصر أبو زيد الطيبة بالرئيس الأندونيسي السابق
عبد الرحمن واحد،‮
‬المشكلة في اندونيسيا أن الإسلام تم اختطافه من جانب جماعات سلفية،‮ ‬تحارب التقاليد الأندونيسية المتسامحة‮.
 ‬الإسلام الإندونيسي التقليدي كما كان يقول نصر عنه‮ "‬إسلام مبتسم‮"‬،‮ ‬ومتسامح
،‮ ‬ولا يمكن فيه أبدا القبول بفكرة أحادية تحكم الجميع،‮
‬من هنا أنشأ الرئيس عبد الرحمن واحد مع البروفيسور شامل معاريف منظمة‮ "‬الحرية للجميع‮"
 ‬لتحاول معالجة الأضرار التي تسبب فيها هذا التغلغل للإسلام الوهابي داخل المجتمع الإندونيسي،‮ ‬وهي المنظمة التي قامت بتبني إنشاء المعهد‮. ‬

وماذا عن الخطوات الأولية للمشروع‮....
كيف عملتما عليه؟
منذ يناير الماضي،‮ ‬وكان نصر في القاهرة،‮ ‬ونحن نعمل علي المشروع‮.
 ‬أقمنا جلسات عمل مكثفة للغاية تبدأ في الصباح وتنتهي في المساء،‮
‬كان هناك بعد قائم علي الورقة الأكاديمية للمشروع،‮ ‬
وبعد يتعلق بالتعامل مع علماء الدين التقليديين،‮ ‬في النهاية أنت لا تريد لمشروعك أن يكون مشروعا للصفوة،‮ ‬تريده أن يصل للناس‮.
‬وهناك بعد يتعلق بالميديا من أجل إيصال أفكارنا والإعلان عنها،‮ ‬
كما أننا نحتاج تمويلا كي نتمكن من كل هذا‮.
 ‬كتبنا سبعين ورقة بالإنجليزية وقمت أنا بترجمتها للعربية‮.
‬وأرسلنا إلي كل من يعنيهم الأمر نسخا من هذه الورقة،‮ ‬من مثقفين وأكاديميين ورجال دين،‮ ‬من الداخل والخارج،‮
‬أرسلنا إلي شخصيات بإيران وباكستان والولايات المتحدة،‮
‬وقمنا في سفرتنا الأخيرة لأندونيسيا بلقاءات مباشرة مع من قرأوا الورقة،‮ ‬وتصوير لقاءات مع بعض الشخصيات التي تتحدث عن أهمية هذا المشروع،‮ ‬لكي يمكن استخدامها في الدعاية له‮.
‬كان مقرراً لهذه الزيارة أن تستمر لثلاثة أشهر،‮
‬ولكنني أزعم أن الأسبوعين اللذين قضيناهما في أندونيسيا كانا كافيين لنقوم بالجهد الأساسي في هذا الإطار‮. ‬

والهدف الأساسي للمشروع كما تراه؟
في قلب هذا المشروع كان تقديم قراءة مغايرة للقرآن،‮
‬المشكلة أن جميع تفسيرات القرآن كانت تفسيرات خطية،‮
 ‬تبدأ من سورة الفاتحة وتنتهي بسورة الناس،
‮ ‬بعض القراءات كانت موضوعاتية،‮ ‬أي أنها تعمل علي موضوعات بعينها،‮
 ‬مثل المال مثلا،‮ ‬ولكن مشكلة هذه التفسيرات أن بعض رواسب الأيديولوجيا
 قد تسللت إليها‮.
‬فكرتنا كانت تقديم قراءة تعتمد علي التيمات الأساسية في القرآن،‮ ‬
مثل تيمة الحدود والعقاب مثلا،‮ ‬وتيمة خلق العالم،
‮ ‬علي شرط أن يتم قراءة هذه التيمات من خلال تعالقها وتشابكها معاً‮.
‬هناك تفسيرات كثيرة قامت بالتركيز علي تيمات بعينها لصالح تهميش تيمات أخري،‮ ‬تقرأ تفسير القرطبي مثلا فتشعر أنه كتاب في اللاهوت لفرط ما اهتم
 بالتيمة اللاهوتية في القرآن،‮ ‬
أو القصاص الذي تجده مهتما أكثر من أي شيء آخر بالحدود العقابية‮. ‬
كنا نعتقد أن هذه قراءات مختزلة بعض الشيء‮. ‬

تم النشر في أخبار الأدب بتاريخ 10يوليــــــــــو 2010
كتب/ نائل الطوخي