الأحد، أغسطس 29، 2010

نحتاج إلي إصلاح العقل العربي أولاً



"الأهرام المسائي" تفتح ملفات إصلاح الفكر الديني
إيمانا منها بضرورة إعمال العقل وإطلاق الاجتهاد إلي مداه الواسع، دعوة منها إلي وسطية دينية ـ إسلامية ومسيحية، ويقينا منها أن إصلاح الفكر الديني يعد الخطوة الأولي علي طريق المواطنة والحرية والإسهام في الحضارة الإنسانية.
إصلاح الفكر الديني ضرورة ملحة وسنة كونية،
والحديث عن تجديد الخطاب الديني لا يعني المساس بالكتب السماوية،
 فالفكر الديني نتاج بشري في ظروف وواقع تاريخي معين.
 وهناك حتمية يتحدث عنها المصلحون الآن لتجديد الخطاب الديني وإصلاح الفكر وإفاقة العقل العربي من غفلته. 

الدكتور علي مبروك ـ أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة ـ أكد في حواره لـ "الأهرام المسائي"
أن العقل العربي الراهن يعيش أزمات اقتصادية وسياسية وثقافية
 لكونه عقلا غير فاعل وعاجزا عن إيداع حلول لمشكلات واقعه.
كما أن الفكر العربي صار ناقلا مقلدا مكررا بغير فهم لأفكار السلف، فلم يأت بحلول جديدة لمشاكل واقعنا العصري، وهو مايتطلب تغيير البنية العقلية لثقافة المجتمع من خلال وسائل إعلامية وتعليمية جديدة. فإلي نص الحوار..

- ماهو تعريفك لإصلاح الفكر الديني ؟
- أولا يجب أن يعرف الناس أننا عندما نطالب بتجديد الخطاب الديني
لا نتعرض للنصوص المقدسة من الدين في القرآن والسنة.
 لكن نحن نريد إصلاح الفكر الديني وهو المنتج البشري لفهم الدين والنصوص والذي قد يكون صحيحا أو تشوبه أخطاء.
والفكر الديني نتاج علاقة تفاعلية بين الوحي المنزل والعقل الانساني والواقع الذي يعيش فيه البشر في لحظة تاريخية محددة.
 ومادمنا نتكلم عن الفكر فنحن إذن نتحدث عن شيء يمكن التحاور معه بطريقة خلاقة لمناقشته وفهمه، خصوصا أن هذا الفكر الديني المتراكم يشكل ثقافة المجتمع.
 ولاشك أن هناك هوية مشتركة بين الفكر الديني الذي نشأ في فترة تاريخية ما وثقافة مجتمعنا الآن.

- هل تعني أن هناك أزمة في الفكر العربي عامة ؟
- بالفعل عقلنا العربي الراهن في أزمة،
 والأزمة تأتي من كونه عقلا غير فاعل وعاجزا عن إبداع حلول لمشكلات واقعه،
والواقع العربي متأزم اقتصاديا وسياسيا وفنيا واجتماعيا، 
وأزمة أي مجتمع عنوان علي أزمة هذا الواقع،
ومادامت هناك أزمة في الواقع وأزمة ممتدة عمرها قرون فيجب التصدي لها ودراستها ووضع الحلول لها،
 وفي مصر الأزمة مضاعفة فلم نستطع أن نوجد حلولاً لأزمة القمامة لنأتي بشركات أجنبية لحلها،
 رغم أن هذه الشركات لا تأتي بعمالتها بل تأتي بعقلها لحل المشكلة،
وهذا مثال لمدي الأزمة التي نعانيها فكريا وعقليا. وخلال الثلاثة قرون الأخيرة لا يوجد إبداع عربي صدرناه للغرب، أو علي الأقل سعينا به لحل مشاكلنا.
ومن هنا فالأزمة طالت إعلامنا والفكر الديني والدعوة والتعليم وتكاد تكون الأزمة تختزل كل مظاهر الحياة العربية، بالتالي. 
هذا يعني إجمالا أن العقل يعاني من أزمة كبيرة.

- ما الحل لعلاج أزمة العقل العربي ؟
- يجب أن نفتش ونتأمل وندرس الفكر العربي ـ الديني بوجه خاص ـ
وإعادة التفكير في الفكر الديني القديم لا يعني أننا نريد أن ننتقد هذا الفكر بل نريد أن نفهم سر الأزمة.
 فقد توقفنا عن الفكر الديني القديم ولم نعد نفكر بل ننقل الفكر ولا نأتي بجديد،
فالعصر الذي وضع فيه هذا الفكر كان عصرا نشطا ومتقدما،
سعي المفكرون فيه لوضع حلول لمشاكل عصرهم. أما العقل العربي الآن فصار ناقلا مقلدا مكررا لا يأتي بجديد وعاجزا وأصبح عالة علي الآخرين.
- هل الأزمة في تقديس الموروثات الفكرية ؟
- الأزمة ليست في الموروث بل في موقفنا من الموروث، فهل هو موقف المكرر المردد أم الساعي لفهم هذا الموروث ومدي ملاءمته لعصرنا وواقعنا.
وهناك مشكلة أخري تواجهنا الآن وهي موقفنا الآن من الحداثة،
 فإذا دخلنا مرحلة الحداثة بنفس الفكر الجامد الموروث سننتج فكراً مكرراً ليس جديدا عن الفكر الجامد. فللأسف تعامل العرب مع الحداثة فاضح وكارثي. وهنا إذا اكتشفنا أن المشكلة في العقل يجب أن نعمل علي إصلاح هذا العقل. والصيغ القديمة للفكر العربي مازالت ثابتة، فقد دخل العرب القرن التاسع عشر بصيغة فكرية هي نفسها التي دخلوا بها القرن العشرين ثم دخلوا بها القرن الحادي والعشرين وهي صيغة موقف العرب من التقدم والتخلف والحداثة، ومع ذلك لم ينجحوا في اجتياز هذه المسألة.

- ماوسائل إصلاح الفكر الديني إذن ؟
- أولا أريد أن نضع خطة لإصلاح العقل العربي قبل اصلاح الفكر،
 فأزمتنا أزمة عقل يجب اخراجه من أزمته.
 وعلي النخبة المثقفة المصرية من كل المجالات التعليم والاعلام والمفكرين ورجال دين مستنيرين في الأمة العربية أن يحتشدوا لوضع خطة لاخراج العقل العربي عن أزمته.
- هل يمكن القول إن إصلاح التعليم خطوة نحو إصلاح هذا الفكر ؟
- مايحدث في التعليم حتي الآن لا ينبئ باخراج العقل من أزمته،
 فالتعليم للأسف لا يربي ملكات النقد أو الابداع فهو قائم علي الحفظ والترديد.
 وهذا يعني أنه يرفض تشغيل العقل والفهم الذي يفترض مسئوليته عن تنقيح الفكر.
- ماهو دور النخبة المثقفة ؟
- المثقف دوره التأمل والتشخيص ووضع اقتراحات للحلول،
والمثقف المصري موجود من كل التخصصات،
 لكن للأسف النخبة المثقفة تنشغل بالأسئلة الصغيرة عن السؤال الأهم والأكبر وهو إصلاح الفكر والعقل،
وعدم انتباه المثقف للأزمة يعني أنه مثقف مأزوم لا يهمه سوي السلطة فيقدم لها الخطاب التبريري أو التجميلي، يجمل حكمها أو تسلطها مقابل مكاسب يتحصل عليها. لكن هناك محاولات الآن علي نطاق صغير في مناطق مختلفة من الوطن العربي لديها وعي بأن هناك أزمة، والوعي هو بداية الحل للأزمة لأنك عرفت المشكلة.
وعلي النخبة عامة أن تعدل موقفها من التراث والحداثة بشكل عقلي ونقدي لنعلم أين طريقنا للإصلاح.
- هل توعية المجتمع بوجود أزمة في الفكر خطوة نحو الإصلاح ؟
- نعم، فيجب أن يشعر المجتمع بوجود أزمة وأنها هي التي تعرقل تقدمه،
 وهي التي جعلته تابعا اقتصاديا وسياسيا وثقافيا.
 وهنا نستطيع وضع استراتيجيات عمل لحل الأزمة.
 وهناك تيارات مختلفة تشكلت في الوطن العربي بجهود محدودة لكن ربما تتحول هذه الجهود الي نهر من الفكر تخرج العالم العربي من أزمته.

- هل حل أزمة الفكر يأتي بقرارات سياسية؟
- التفكير بأن القرارات السياسية هي التي تصنع التغيير الفكري للمجتمع تفكير خاطيء،
والمطلوب اختراق ثقافة المجتمع من اتجاهات أخري من خلال تغيير الثقافة وتغيير البنية العقلية من خلال وسائل إعلامية وتعليمية جديدة.
ولدينا نماذج من المجددين في الفكر الديني أمثال محمد عبده لا يزال فكرهم قائما، يجب دراسته ونشرة وإيصاله للناس، بالإضافة الي تنقيح الفكر من الخرافات.

- ما رأيك في الإعلام الديني والفضائيات الدينية؟
- للأسف كل الشعوب استفادت من التكنولوجيا الحديثة بشكل إيجابي لكن نحن عادت علينا بأثر سلبي،
فصارت تلك الفضائيات أبواقاً لنشر أفكار متخلفة ومضللة للفهم الديني.
وبالتالي صارت كل ما تبثه هذه الفضائيات من الثوابت والأمور المسلم بها لدي الناس، فاكتسب ما تقدمه صفة الإطلاق.

- ما علاقة الفكر الديني بالسياسة؟
- للأسف ما يحدث في مصر توظيف للدين في السياسة بشكل بالغ الفجاجة،
 فالمؤسسات الدينية المسيحية والإسلامية تعمل بالسياسة ويتم استغلالها سياسيا.
قد تتصور المؤسسات السياسية أنها تستخدم المؤسسات الدينية لتحقيق مكاسب ما لكنهم في أغلب الأوقات ـ ولايشعرون ـ ملتهمون من قبل المؤسسات الدينية.
الآن الي علاقة الكنيسة بالدولة تجدها علاقة "عض أصابع" متبادلة وهي مسألة بالغة الوضوح.
وأري أن علاقة الدين بالسياسة "لعبة خطرة" بسبب تأميم المؤسسات الدينية وإخضاعها للسياسة،
 فقد بدأ منذ بناء الدولة الحديثة في عهد محمد علي باشا إخضاع الأزهر لسلطة الحاكم وهو ما أدي الي انهيار دور مشايخ الأزهر،
فلم يعد هناك الشيخ المثقف الحقيقي سياسيا وثقافيا ودينيا، حيث كان رجال الأزهر يلعبون دور "رمانة الميزان" بين السلطة السياسية والشعب، وكانوا يجابهون السلطة ويقودون غضبة المجتمع.

- هل التعليم الأزهري يعاني أزمة بخلاف تأميمه؟
- إذا أخضعت الأزهر سياسيا فأنت طول الوقت تطلب منه إنتاج المواطن الذي تريده السلطة، فهل سينتج الأزهر ثواراً أو مفكرين مثلا.
- وماذا عن إصلاح التعليم الأزهري؟
- أي دعوة إصلاح تستحق التشجيع،
لكن أولا يجب أن نعرف ما هو مضمونه وهدفه ولغته، فهل التغيير سيكون للمضمون أم اللغة أم الفكر؟!.
 لكن الإصلاح الحالي "ترقيع" يثبت النظام القديم مع وضع لمسات جمالية.
 فطلاب الأزهر يدرسون ملخصات الفكر ولا يدرسون أمهات الكتب والنصوص الأصلية،
بالتالي يتخرج طالب الأزهر وهو غير فاهم للتراث الفكري جيدا.
وأرجو أن تتغير فلسفة الأزهر بحيث لا تظل حافظة ومرددة للتراث، بل منتجة لفكر إسلامي يسعي الي الفهم وليس مؤسسة للحفظ.
لكنني واثق أن شيخ الأزهر الحالي بخطواته الإصلاحية سيضع حلولا حقيقية، أرجو أن يوفق في تطبيقها.

- ماذا عن دور المؤسسة الدولية للدراسات القرآنية التي بدأ خطوات إنشائها المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد؟
- المشروع لا يزال في طور البداية،
 وسيكون أقرب الي معهد الكتروني للدراسات القرآنية،
إجراءات إنشائه تمت في إندونيسيا من خلال جهود بعض رجال الفكر الديني هناك ومعهم آخرون من بلدان مختلفة. ونحن نسعي من خلال هذا المشروع الي تقديم اجتهاد في إطار الفكر الديني ونحن نتصور أن هذا الاجتهاد قد يكون مناسبة جيدة لتقديم الإسلام الحقيقي القائم علي قيم الحرية والمساواة والعقلانية.
وأتصور أن يكون هذا المشروع خدمة للإسلام والإنسانية في ظل ما يقدمه الغرب من نهايات لكل شيء في الأيديولوجيا والكون والعقل والتقدم.
 وفي تصوري أن الإسلام قادر علي تقديم شيء عظيم لهذه الإنسانية المتخبطة.
من هنا قد يكون الإسلام حلاً حقيقياً لمشاكلنا.

- كيف تفصل هذه المؤسسة نفسها عن الأجندات السياسية؟
** نحن حريصون علي أن نبتعد عن أي شعار أو سلطة سياسية، لأن هدفنا الاستقلالية الفكرية، وألا يخضع هذا العمل لأي ضغوط سياسية. والمؤسسة تعتمد علي الحوار مع الشخصيات الدينية والتربوية وقيادات المجتمع المدني ، وهدفنا جميعا تقديم إسلام حقيقي. وعلي المسلمين الآن أن يجتمعوا علي الخروج من أزمتهم، فما يحدث من أفعال عنف وتجييش وعسكرة للإسلام صادر عن حالة يأس عام وليس كوعي، واليأس يقود الي الانفجار والتفجير.

- ما دور وسائل الإعلام في إصلاح الفكر الديني؟
- أنا رأيي أن وسائل الإعلام لا توجه الرأي العام بل هي خاضعة لما يريده الرأي العام، فتقدم له ما يريد أن يراه ويسمعه، وأتصور أن وسائل الإعلام تعمل علي دغدغة المشاعر وما يثير ولا يرقي الوعي والوجدان. فالخطاب الإعلامي مطلوب منه أن يحدد هدفه وموقعه من الإصلاح لخلق حالة وعي عام بمشاكل المجتمع وضرورات حلها.

- هل هناك علاقة بين أزمة الفكر الديني والفتنة الطائفية؟
** هناك احتقان طائفي في مصر، وللأسف هناك حديث طوال الوقت عن أن مصر دولة الوحدة الوطنية دون الوعي بما يحدث من محركات للاحتقان، فهناك طائفية شديدة في مصر علي الجانبين الإسلامي والمسيحي.
- تعني أن هناك طرفاً مضطهداً؟
- لالكن هناك تخندقا طائفيا من دعاة التعصب علي الجانبين يترك أثرا سلبيا علي عامة المسلمين والمسيحيين في النهاية، وهذا الأمر يتطلب تأنيا وتدبرا من أهل الاختصاص والعلم من الجانبين لأسباب هذا الاحتقان، لعل هناك أبعاداً خفية غير العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية.

- هل حل أزمتنا الفكرية يكمن في الوسطية كما يدعو البعض؟
- القطاع العريض من المجتمع المصري كان يعيش في الوسطية بعيدا عن الغلو أو التهاون في الدين، ومع هذا لم يخترق العنف الطائفي المجتمع.
 لكن يبقي سؤال:
هل الوسطية تتعرض للتراجع تحت وطأة خطاب الغلو؟
وهنا علينا أن نواجه الغلو بنشر الوسطية بعد بحث أسباب انتشار التيار المتشدد الذي تغلغل في المجتمع،
 فإذا كان الأزهر طوال تاريخه يقدم لنا نفسه باعتباره تيار الوسطية،
فيجب أن نبحث :
 ماذا حدث للأزهر، فظاهرة المد المتشدد خطيرة ومخيفة بالفعل.

تم النشر في جريدة الأهرام بتاريخ 29 أغسطــــــــس 2010
بقلم / محمد مندور