الثلاثاء، يناير 31، 2012

برنامج بقعة حرية ، القرآن تأويل جديد أم علاقة جديدة


القرآن تأويل جديد أم علاقة جديده

31 / ينـــــــــــــاير / 2012

برنامج بقعة حرية  تقديم الاستاذ محمد عبده

 وضيوف الحلقة 

أ. د / على مبروك أستاذ الفلسفة بكلية الاداب جامعة القاهرة

و 

أ. د / محمد عبد السلام رئيس قسم الدراسات الاسلامية جامعة عين شمس






الخميس، يناير 26، 2012

في معني الحدث المصري ودلالته



لعله يمكن القول إن السقوط المدوي لمبارك ونظامه الكابوسي الراكد‏,‏ يتجاوز مجرد كتابة كلمة النهاية لنظام سياسي افتقر إلي الرشد والكفاءة إلي ما يبدو وكأنه محاولة التأسيس الثاني للدولة العربية الحديثة‏,
بعد أن بلغت ـ في صورتها المتحدرة من مطالع القرن التاسع عشر ـ نهايتها البائسة التعيسة التي جسدتها دولة سلاطين العرب من مثل مبارك وصحبه التعساء.


وإذن فإنها مصر مرة أخري....
مصر التي شهدت التأسيس الأول للدولة العربية الحديثة قبل قرنين مع الباشا الطامح محمد علي, وعلي نخبتها الراهنة أن تكون علي وعي بأنها تملك فرصة التأسيس الثاني لتلك الدولة, وإلا فإنها ستكون قد فقدت فرصة تاريخية لن تتكرر إلا بعد وقت طويل.
وإذا كان التأسيس الأول قد ارتبط بما حدث في مصر في العام1805, من نجاح الشعب في إنقاذ إرادته التي يمثلها ما نقله الجبرتي علي لسان الكبار من نخبته يخاطبون محمد علي:
 لانريد هذا الباشا( يقصدون الفاسد خورشيد) حاكما علينا, ولابد من عزله من الولاية.... ولانرضي إلا بك, تكون واليا علينا بشروطنا.
وبالرغم من كل مايقال حول ما فعله محمد علي من تدشين الدولة الحديثة; فإنه يبقي أن الرجل الذي اختاره الناس ليحكمهم بشروطهم, سرعان ما انقلب عليهم, وراح يحكمهم بشروطه التي لم تكن إلابناء دولة القوة, ليتمكن من وراثة إمبراطورية آل عثمان المريضة.

كان الشعب يتطلع إلي دولة الحق, فيما أراد الباشا دولة القوة التي لم يدرك في شعب مصر إلامجرد أدوات ـ أو حتي أشياء ـ يحقق بها حلمه الطموح, ولقد كانت الحداثة الأوروبية ـ التي جاء بها غزاة الشمال يقرعون أبواب مصر التي ظلت موصدة لقرون ـ هي أداته الأخري. علي أن يكون مفهوما أنه لم يكن مطلوبا من الحداثة إلاماتنتجه من سلاح وتقنية, وليس ما أنتجها من إرادة حرة ووعي خلاق.
لن يكون غريبا أن ينسي الباشا سريعا أن توليته كانت من الشعب, بل وأن يهاجر الطهطاوي الذي هو المنظر البارز لدولته ـ بأن ولاية الباشا من الله, وليس من الناس.
(وهنا يشار إلي أن أحدهم قد رفع في إحدي التظاهرات ـ التي جري حشدها لتأييد مبارك في مواجهة جموع الداعين لخلعه ـ لافتة مكتوبا عليها: من اختاره الله, لن يسقطه الخونة).

وليس من شك في أن هذا التغييب للناس, يكشف عن نخبة اختارت الانحياز ـ منذالبدء ـ للدولة علي حساب المجتمع. وبما يترتب علي ذلك من تبريرها ـ إن لم يكن تأسيسها ـ لما تمارسه تلك الدولة من قمع المجتمع والتسلط عليه للآن. إنه التغييب الذي سيتحول معه هؤلاء الناس من فاعلين حقا إلي مجرد عبيد إحسانات دولة الباشا, وذلك بحسب ما سيقول لاحقا أحد ورثة تلك الدولة الجاثمة( وأعني به الخديو توفيق) مخاطبا أحد الداعين إلي وضع حد لاستعباد الناس وإقصائهم.
(هل لأحد أن يجادل في أن دولة مبارك قد ظلت تعامل الأغلبية المسحوقة من جمهورها علي أنهم مجرد عبيد إحساناتها أيضا).

كان التاريخ قد اختار للسيد عمر مكرم أن يشهد, من موقع المشارك, حدث الخلع والتولية الذي أفضي عند مطالع القرن التاسع عشر ـ إلي التأسيس الأول لما بات يعرف بالدولة العربية الحديثة, فإنه قد أراد له, من موقعه كمراقب يطل علي الجماهير المحتشدة أسفل تمثاله في ميدان التحرير, أن يشهد خلع مبارك وتولية غيره, منتظرا, بالطبع, أن يفلح أحفاده في تأسيس دولة الحق التي أخفق, ومعه أجدادهم, في تدشينها قبل قرنين, وأن يتمكنوا من ضبط وترتيب نظام يكون معه الحاكم حاكما عليهم بشروطهم, وليس بشروطه كما حدث قبلا.

وبالطبع فإن التأسيس لدولة الحق علي حساب دولة القوة القامعة, لن يكون ممكنا إلا عبر تجاوز الخطاب الذي ساد علي مدي القرنين المنصرمين, إلي خطاب يؤسس لدولة حديثة حقا; وأعني التحول من خطاب لم تفلح كل زركشات وزخارف الحداثة علي سطحه, في أن تغطي علي جوهره الوصائي الأبوي التسلطي الذي يؤسس لما يسود من علاقات الإذعان والخضوع, إلي خطاب ذي أفق عقلاني يؤسس لعلاقات التفاعل والحوار والندية التي هي الأصل في ما يتطلع إليه الكافة, في العالم العربي, من دولة المواطنة المدنية, كبديل للدولة الطائفية العشائرية الأبوية الاستبدادية الراهنة. ولسوء الحظ, فإن الممارسة الغالبة علي النخبة المصرية جميع شرائحها تكشف عن عدم قدرتها, حتي الآن علي الأقل, علي الإمساك بضرورة هذا التحول وجوهره.

فإن متابعة لما يتجادل به الفرقاء علي الساحة في مصر تكشف عن استمرار
سطوة خطاب دولة القمع في العمق, برغم كل ما يبدو مغايرا لذلك عند السطح. ولعل ذلك يستلزم تعرفا علي الجوهر العميق لهذا الخطاب من جهة, وبيانا لكيفية استمراره في الممارسة الراهنة من جهة أخري. يتمثل الجوهر العميق للخطاب في غلبة الطابع الأداتي علي تعامله مع كل من الحداثة والمجتمع في آن معا; وبمعني أنهما كانا مطلوبين كمجرد أداتين لبناء دولة القوة, حيث أراد الخطاب من الحداثة قوتها من دون عقلانيتها, وأراد من المجتمع قوة عمله من غير أنوار وعيه. ومن هنا فإنه لم يجاوز حدود السعي إلي تركيب قشرة حداثية هشة( تستعار جاهزة) فوق بنية تقليدية ضاربة الجذور. وغني عن البيان أن الحرص علي إبقاء المجتمع تقليديا في الأسفل إنما يرتبط, وعلي نحو جوهري, بتصوره كمجرد أداة لتشغيل عناصر القوة المستفادة من الحداثة.

ولسوء الحظ فإن الجميع لا يزالون يمارسون علي نفس النحو الأداتي. بل إن جماعات الإسلام السياسي التي اختارها المجتمع لإدارة شؤونه في الانتخابات الأخيرة, هي وللمفارقة ـ الأكثر رسوخا في الاشتغال بهذا المنطق الأداتي, وذلك إبداء من حقيقة أن خطاب هذه الجماعات هو محض نسخة معاصرة من رؤية دينية تقليدية تنبني علي مفهوم الفاعل الأوحد الذي يقف بالبشر عند حد كونهم مجرد آدواته التي يفعل بها.
وحين يضاف إلي ذلك أن المخاصم الأكبر للحداثة سيد قطب قد تسامح ـ في معالم في الطريق ـ مع الجانب الأداتي( العلمي التقني) منها, فإن بإمكان المرء أن يدرك مدي عمق تجذر الأداتية في بنية خطاب تلك الجماعات. ومن هنا ما يلزم التأكيد عليه من أن هذا الخطاب لا يمثل خروجاً من المأزق الراهن, بقدر ما يمثل تكريساً له.

يستلزم الأمر نقداً معرفياً, وليس إيديولوجياً, لخطاب تلك الجماعات علي نحو يكشف عن كونه يمثل امتداداً, من جهة, لخطاب دولة القمع التي يثور عليها الناس, ولرؤية دينية تقليدية لطالما تخفي وراءها الاستبداد من جهة أخري. ويخشي المرء أنه من دون هذا الاشتغال النقدي علي الخطاب, فإن مصر, ومعها العرب لن يفعلوا إلا أن يحرثوا البحر من جديد.

تم النشر في جريدة الأهرام 26 /يناير /2012




الاثنين، يناير 16، 2012

برنامج بقعة حرية ، العلاقة بين المعرفة والسلطة


العلاقة بين المعرفة والسلطة 
16 / ينـــــــــــــــاير / 2012

برنامج بقعة حرية

 تقديم الاستاذ محمد عبده بدوي

ضيوف الحلقة الاستاذ على مبروك استاذ الفلسفة 

والدكتور ابراهيم أمين من علماء الازهرالشريف 




الأحد، يناير 15، 2012

كتاب "ثورات العرب.. وخطاب التأسيس"




فى ظل الحاجة للمراجعة الجذرية للثقافة المصرية برمتها
وإلى مقترحات لتأسيس المشروع الثانى للنهضة،
 الذى من شأنه أن يحقق ثورة على كافة المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتأسيس لفكر جديد،
 بدوره يقوم بتفكيك بنية المنظومات والعلاقات ويرسخ لقيم وعلاقات أخرى متماسكة عبر حوار اجتماعى حقيقى،
صدرت الكثير من الكتب التى تناولت ثورة 25 يناير،
 إلا أن معظمها قد اكتفى بجانب واحد،
 ألا وهو تسجيل وتوثيق أحداث الثورة،
 وصدرت هذه الكتب فور سقوط رأس النظام السابق "محمد حسنى مبارك"،
 رغم أنها ثورة مرئية بامتياز قد لعبت الميديا ووسائل الإعلام المختلفة دورا أساسياً فى استمرارها ونجاحها فى أيامها الأولى.

ولكن قليلة هى الكتب من نوعية كتاب "ثورات العرب.. خطاب التأسيس"
الصادر عن دار العين
 للدكتور "على مبروك" أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة،
 ذلك الكتاب الذى يدعو لثورة جذرية فى الثقافة المصرية،
والذى أهداه "للراحل نصر أبو زيد وشهداء الثورات العربية من قبل ومن بعد،
 وعبر خمسة فصول هى:
عن سؤال الخطابة ونقل مركز المقاربة،
البحث عن حل: من الجيش إلى الجامعة،
 عن سؤال الواقع ونقل مركز المقاربة من البرّانى إلى الجُوّانى،
 المشاريع العربية المعرفية المعاصرة فى قبضة الأيديولوجيا،
 تقليد دولة الحداثة العربية.. أى مفارقة؟،
 يسبقها استهلال ومفتتح ويعقبها مشهد الختام،
 حيث ينتقد على مبروك عبر تلك الفصول تصور الحداثة عند العرب فى أنهم أخذوا الجانب الظاهرى "البّرانى" بحسب تعبيره، وأهملوا وفصلوا الجانب النظرى "الجُوّانى" المتمثل فى الرؤية ذات الأفق العقلانى النقدى للعالم،
 ويثبت أن أسباب إخفاق مشروع الحداثة العربية يرجع إلى الخلل الكامن فى كيفية اشتغال العقل العربى عليها ومقاربته لها،
 وليس فشل الحداثة فى حد ذاتها،
ويؤكد أن نموذج العرب فى ذلك يتجلى فى التجربة الكمالية فى تركيا
"كمال الدين أتاتورك"،
 حيث تم فصل الدين عن الدولة تعسفياً باعتباره سبباً منتجاً للحداثة،
وليس باعتباره نتيجة طبيعية لها، وأنه حين حدث ذلك فى أوروبا وتحديداً فى فرنسا كان نتيجة لتطور الأفكار والصراع والحراك الاجتماعيين فى نمو هادئ بلور الأفكار وأصبحت عملية الفصل مطلباً ملحاً لكل من الدولة والمجتمع.

ويؤكد على مبروك:
 أن سبيل الخروج من هذه الأزمة التى أنتجها بؤس آلية القراءة لمشروع الحداثة من جانب السياسيين،
 لأنهم غير معنيين بالبحث فى الأسباب،
 مما أدى إلى إفقار المفاهيم لأن السياسى معنى بقطف الثمار على عكس المفكر المعنى بتقليب التربة،
والحل يكمن فى تجاوز هذه القراءة والتفكيك النقدى لما يؤسس لها فى خطاب التراث وما يعرف بـ"عصر النهضة العربى" وهذا ما يتطلب جهداً وعملاً كبيراً من جانب المفكرين والمشتغلين بمسألة التغيير.

وبناء على ذلك نادى مبروك بضرورة الفصل بين دور ما هو سياسى وما هو ثقافى، لأن "السياسى" لا يقبل إلا أن يكون الوعى العام هو وعى قبول وامتثال
 وليس وعى فهم وتمثُّل واستيعاب كما يقبل "الثقافى أو المثقف.

ويشير إلى الطابع القمعى للحداثة العربية الذى قرأه المعلم يعقوب المصرى قديماً
 فى مقولته :
"إن تغييراً- حداثيًا- فى مصر لن يكون قط نتيجة لثورة استحدثها نور العقل
أو اختمار الآراء الفلسفية المتصارعة،
 بل تغيير تجريه قوة قاهرة على قوم وادعين جهلاء"
 أى أن التغيير كان يحدث دائما بفرضه وغالبا ما يكون ذلك عسكرياً وحدث فى تجربة دولة محمد على وأيضا فى تجربة ثورة 1952.

وتطرق إلى أن تحرر السياسة من الارتهان للخارج
يقتضى تحرير الوعى فى الداخل من الامتثال والخضوع
 لأن النظم القمعية نجحت فى استخدام الخطاب المخادع للجماهير المغيبة
والمنادى بالاستقلالية والخصوصية الثقافية فى التصدى لمحاولة فرض الديمقراطية من الخارج،
 حين رأت البلاد المضارة من الإرهاب أن دول العالم الثالث بها فائض قمع واستبداد وقد اتجهوا من الجهاد المحلى ضد أنظمة الحكم فى الداخل إلى الجهاد "الُمعولم"
 فى الخارج ضد من يرونهم يرعون أنظمتهم ويرعون الإمبريالية فى العالم.

وينتهى الدكتور على مبروك فى كتابه إلى:
 ضرورة ترسيخ خطاب التأسيس للحداثة العربية الذى يبدأ بقراءة وإدراك الواقع وتجنب التعميم والتلفيق ومعالجة الانقسام الفاجع بين مظهر والجوهر
الذى تعيشه الدول العربية وخاصة مصر،
وضرورة التحرر ليس برفض الدين أو الحداثة بل بتجاوز "خطاب القوة"
الذى استبد بهما والانتقال إلى "خطاب الحق"
 الذى جرى تغييبه عنهما.

تم النشر في جريدة اليوم السابع بتاريخ 15 ينايـــــــر 2012
كتب / وائل فتحي



الخميس، يناير 12، 2012

القــــــــرآن والصـــــراع علي المعـنــــي




يرتبط السعي الدءوب للكثيرين في مصر إلي تسييد المنظومة المعرفية القديمة‏(‏ في شتي جوانبها الفقهية والتفسيرية والعقائدية والحديثية وغيرها‏);‏ بتحويلها إلي مطلق يتجاوز حدود الارتباط بأي شروط تاريخية أو معرفية‏...
وغني عن البيان أن هذا التحويل لها إلي أبنية مطلقة إنما يقوم علي تصور لما تحمله من المعني; وعلي النحو الذي يكون فيه هذا المعني من قبيل المعطي الذي يتم تلقيه جاهزا, وليس من قبيل التكوين التاريخي الذي ينتجه البشر في تفاعلهم مع النصوص, علي نحو يعكس إمكان تجاوزه والانتقال منه إلي غيره.

وإذا كان تصور المعني كتكوين ينتجه البشر يقوم علي ربطه بالنظام اللغوي للخطاب من جهة, وبكل من حركة الواقع وأفق القارئ من جهة أخري, فإن تصوره كمعطي يقوم علي اعتباره قصدا لصاحب النص يقوم فيه ثابتا وجاهزا; وبكيفية يكون معها هبة مخصوصة يعطيها صاحب النص لمن يشاء. وبالطبع فإنه إذا كان التصور الأول للمعني كتكوين ينطوي علي تأكيد حركيته وانفتاحه( بما يتفق مع طبيعة الوجود الإنساني), فإن تصوره كمعطي ينطوي علي تأكيد إنغلاقه والسعي إلي احتكاره.
 ولكن الأخطر من ذلك هو أن هذا التباين بين تصورين للمعني إنما يعكس حقيقة أن عالم المعني هو, في حقيقته, ساحة للتصارع الاجتماعي والسياسي. فإذ يكشف تصور المعني كتكوين ينتجه البشر عن الدور الفاعل لهم, فإن تصوره كمعطي يتلقاه البشر جاهزا يكشف, في المقابل, عن محض خضوعهم واستلابهم. ولعل ذلك يعني أن ما يجادل به الساعون إلي احتلال صدارة المشهد السياسي المصري الراهن من أن معني القرآن هو معطي ثابت جاهز تلقاه السلف وصاغوه في أنظمة سلوك واعتقاد لابد من تكرارها الآن, لا يجاوز كونه مجرد ستار يخفون وراءه سعيهم لإخضاع الجمهور والسيطرة عليه.

 وهكذا فإن السعي إلي تثبيت هيمنة السلف كسلطة قابضة علي الرأسمال الرمزي للجماعة الذي يتمثل في المعني الخاص بكتابها الأقدس, ينطوي علي القصد إلي تحصين السعي السياسي لجماعة بعينها وراء سلطة هؤلاء السلف.

والغريب حقا أن هناك من الشواهد الكثيرة ما يدل علي أن ممارسة هؤلاء السلف الذين أريد لهم أن يكونوا قابضين علي نوع من المعني المكتمل الثابت والمتفق عليه للقرآن, لا تشي أبدا باعتقادهم في هذا النوع من المعني المعطي للقرآن. ولعل مثالا لتلك الشواهد يتآتي مما تحتشد به- وبغزارة ملافتة- موسوعات التفسير والفقه الكبري مما يمكن إعتباره تأريخا واسعا لأفكار وآراء الصحابة والتابعين الذين تتشكل منهم النواة الصلبة لجيل السلف. ولعل نظرة علي تلك الأفكار والآراء تتبدي عن ضروب من التباين والتعارض الحاصل بين هذا السلف; سواء تعلق الأمر بفهم آية أو استنباط حكم أو غيره. 

وبالطبع فإن الأصل فيما يقوم بينهم من التباين إنما يجد ما يؤسسه في الأفق المعرفي والاجتماعي الذي يؤطر وعيهم, وفيما عرفه واقعهم من تطور; وذلك فضلا عن الطبيعة اللغوية للخطاب القرآني التي تجعل منه ساحة للاضمار والإجمال والإطلاق والتضمين والتعميم; بل وأحيانا للسكوت وعدم التصريح, وذلك علي النحو الذي إقتضي اجتهادا بشريا في إنتاج المعني, كان لابد أن يتباينوا فيه بحسب ميولهم وانتماءاتهم. ولعل وعيهم بأنهم كانوا ينتجون المعني باجتهاد, ولا يتلقونه جاهزا كاعتقاد, يتجلي فيما كانوا يختتمون به أقوالهم- أو كتاباتهم- من تعبير والله أعلم; الذي يكشف عن روح منفتحة لا تعتقد في امتلاكها لكامل العلم, بل إنها تفتح الباب- بما يعكسه هذا التعبير من إقرارها بمحدودية علمها- أمام الآخرين ليضيفوا اجتهاداتهم إلي- أو حتي علي أنقاض- إنجازها.
 وتأتي المفارقة, هنا, من السعي إلي تثبيت الاعتقاد بأن هؤلاء السلف الذين اجتهدوا في إنتاج معني القرآن, ضمن شروط وعيهم وواقعهم, قد تلقوا المعني علي سبيل الهبة المخصوصة لهم, وأن أحدا بعدهم ليس له إلا أن يقف عند حدود هذا الذي تحصلوا عليه في لحظة فريدة, لا سبيل لتكرارها أبدا.
وكمثال علي أن المعني كان ساحة للاختلاف والقول بالرأي بين الصحابة, فإنه يمكن الإشارة إلي ما أورده أبوبكر الجصاص في أحكام القرآن من اختلاف الصحابة وقولهم بالرأي في عديد من المسائل المتعلقة بأحكام المواريث. يدهش المرء حين يفاجئه الاختلاف حول آيات الأحكام التي يشيع القول إنها من قبيل ما هو قطعي الدلالة, ولكن ماذا بوسعه أن يفعل والرجل يقول:
 وقد إختلف السلف في ميراث الأبوين مع الزوج والزوجة
 يعني إذا مات الزوج وترك الزوجة مع أبويه, أو توفيت الزوجة وتركت الزوج مع أبويها,
فقال علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب وعبدالله بن مسعود وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت:
 للزوجة الربع وللأم ثلث ما بقي, وما بقي فللأب, وللزوج النصف وللأم ثلث ما بقي, وما بقي فللأب.
وقال ابن عباس:
.للزوج والزوجة ميراثهما, وللأم الثلث كاملا من الميراث كله, وما بقي فللأب.
 وقال أي ابن عباس:
 لا أجد في كتاب الله ثلث ما بقي.

 ورغم أن هذا الذي مضي إليه ابن عباس الذي تنسب إليه الروايات أنه حبر الأمة, وترجمان القرآن ودليل التأويل في ضرورة أن تأخذ الأم الثلث كاملا هو- علي قول الجصاص وابن كثير وغيرهما- ما يدل عليه ظاهر القرآن,
لأن الله تعالي يقول:
( فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث),
 فإنه يبدو غريبا انعقاد الإجماع من الصحابة والتابعين علي غير ما يقول به ظاهر القرآن.
 فإن زيد قد أجابه:
 إنما أنت رجل تقول برأيك, وأنا رجل أقول برأيي.
 وإذا كان للمرء أن يتساءل عن أصل الرأي الذي إنحاز إليه زيد ومعه علي قول ابن كثير- معظم الصحابة والتابعين والفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وجمهو العلماء, والذي يقول بما لم يجد له ابن عباس أثرا في كتاب الله, فإنه لن يجد إلا ما تورده المصادر من أنه التقليد الاجتماعي الأبوي الذي يرفض أن يكون للأنثي نصيب من الميراث يربو علي نصيب الرجل.
ولعل المفارقة تتبدي زاعقة حين يلحظ المرء أن الله الذي يتخفي وراءه الساعون إلي إخضاع البشر- وذلك من خلال طردهم من ساحة إنتاج المعني- سيكون, هو نفسه, الذي يؤشر علي جوهرية الحضور الفاعل للبشر في كل عملية الوحي( إنتاجا وقراءة)....وذلك ما يحتاج إلي قول لاحق.

تم النشر في جريدة الأهرام بتاريخ 12 / يناير/2012

الجمعة، يناير 06، 2012

د. على مبروك: العقلانية «فريضة غائبة» فى ثقافتنا



فى الجزء الاول قدم على مبروك رؤيته حول منهج الا شاعرة
وفى الجزء الثانى من الحوار يقدم رؤيته حول تسرب الفكر الشعرى الى العقلانية العربية عند المعتزلة وعند ابن رشد
على مبروك المفكر المصرى لا يقرأ التراث ليهجوه او ليهدمه
 بل يقرؤه ليفهم لماذا ساد نمط من التفكير فى ثقافتنا العربية منذ الاشعرى حتى الان، ولماذا سادت الديكتاتورية العربية ولبست مسوحا دينية؟
 وكيف وظفت السلطة الخطابين الدينى والفكرى فى الاسلام لمصلحتها سواء كانت السلطة أموية أو عباسية أو حتى حداثية
ومن هنا لا يمكن وصف ما يقوم به الدكتور مبروك باعتباره تفسيرا يسارياً للإسلام.

- كيف نقرأ تاريخ العقل فى الاسلام،
 وهل يمثل المعتزلة ذروة سنام العقلانية العربية؟
ـ لم يكن انشغالى بسؤال العقلانية بحثاًعن نتاجات العقل فى التراث،
 بقدر ماكان محاولة لفهم الغياب الراهن للعقل فى عالمنا العربي.
فأنا مشغول بالتراث لافهم الواقع، وماهو سائد- حتى الآن- من طرائق التفكير وانتاج المعرفة.
ولعل ذلك يرتبط بحقيقة أن الأزمة التى يعيشها العالم العربى هى رغم الثورات المشتعلة الآن ـ إنعكاس لأزمة «عقل» بالأساس.
 وخلال الغوص فى التراث لفهم العقل السائد فى المشهد الاسلامي، تبيَّن لى أن هذا العقل (اتحدث عنه كتكوين فى لحظة تاريخية معينة) يحمل ملمحاً أساسياً يتمثل فى أنه عقلٌ مقيد بسلطة النص؛
حتى لقد قال عنه أبوإسحاق الشاطبي:
«فالعقل غير مستقل ألبتة، ولا ينبنى على غير» أصل» على الإطلاق، وإنما ينبنى على «أصل» متقدم مُسلَّم على الإطلاق».
وإذن فإنه عقل التفكير بالأصل الذى تناسل منه العقل الذى يحكم طريقة تفكيرنا الراهن، والذى أسميه «عقل التفكير بالنموذج» وبصرف النظر عما إذا كان هذا النموذج من أصل (حداثي)، أو (تراثي).
هكذا يشتغل عقلنا بنموذج جاهز يعجز من دونه عن إنتاج أى معرفة. وهذا العقل الذى لا يعرف الإستقلال قام على بنائه كلٌ من الشافعى والأشعرى
(الرائدان الكبيران فى علمى أصول الفقه والدين).
ومع التقدير الكامل لما أنجزاه فى الفقه والعقيدة، فإن لهما الدور الأكبر فى بناء العقل الذى نفكر به حتى الآن. 

- ولكن قواعد التفكير فى الاسلام بدأت قبل الشافعى والاشعري؟
فعمر بن الخطاب الغى حد السرقة فى عام الرمادة لأن حق الحياة مقدم على حق الملكية
ـ هذا صحيح، ولكن هذه القواعد التى يمكن وصفها بأنها كانت منفتحة إلى حد كبير، قد جرى تهميشها وإقصاءها على نحو كامل.
فالصحابة كانت لهم طريقتهم فى التفكير فى الفقه التى إنفتحوا فيها على كل معطيات الواقع والتاريخ، والثقافة، وإستوعبوها إستيعاباً مبدعاً راحت معه تلعب دورا حاكماً فى تشكيل المنظومة الفقهية.
 لا يبدو الأمر عندهم نزولاً فى إتجاه واحد من «النص» إلى «الواقع» على النحو الذى تثبت به «الحاكمية» للنص، بل صعوداً من «الواقع» إلى «النص» ثم نزولاً إليه على النحو الذى يثبت جدلية العلاقة بينهما.
هكذا راح يفكر الصحابى الجليل عمر بن الخطاب فى الفقه، وإلى الحد الذى راحت معه حركة الواقع تحدد مدى فاعلية الحكم الشرعى الثابت بالنص.
 حدث هذا عندما أوقف العمل بحد السرقة فى عام الرمادة، إستناداً إلى أن حق الحياة (الذى يبرر للجائع أن يسرق حفاظاً على حياته)
هو الأهم من حق الملكية (الذى شُرِعَ حد السرقة لحمايته).
 وهكذا فعل أيضاً بسهم المؤلفة قلوبهم حين أدرك أن تغييراً حدث إنتقل معه الاسلام من حال الضعف إلى القوة، يستلزم وقفاً لصرفه لهؤلاء الذين لم يكن من سبيل لضمان ولائهم للإسلام فى أول عهده إلا بهذا السهم المدفوع لهم.
ولابد من التأكيد على أن «النص»، فى هذا النمط من التفكير المنفتح، لا يكون سلطة قامعة مهيمنة، بل ساحة مفتوحة لإنتاج معرفة خلاَّقة مبدعة.
أو نقطة إبتداء لمعرفة مفتوحة، وليس أبداً نقطة إبتداء ومنتهى لمعرفة لا يمكن إلا أن تكون مغلقة بمثل سيصبح لاحقاً مع الشافعى الذى أتحدث عنه هنا كمؤسس للأصول، وليس كصاحب مذهب فقهي.
وهكذا كان الأمر فى العقائد أيضاً التى إنفتح التفكير فيها، منذ البدء، على الواقع السياسي، وذلك بحسب ما سيظهر فى مجرد تسميات الفرق الأولى كالخوارج والشيعة والمعتزلة والمرجئة التى تكاد جميعاً أن تكون إشتقاقات من مواقف سياسية،
ثم جاء الأشعري، ليفعل فى العقائد ما فعل الشافعى فى الفقه؛
وأعنى من حيث تدشينه لطريقة الإستدلال بالنص. وهكذا نقل الرجلان التفكيرمن مساراته المنفتحة على الأبعاد كافة، إلى الإنغلاق على النص وحده.

- حركة الشافعى والأشاعرة كانت حركة فى الواقع تحت ضغط السياسة ذاتها دفاعا عن العقيدة؟
ـ لا يمكن إغفال دور السياسة، فى بناء الظاهرة الفكرية
وفى كل ما يطرأ عليها من تحولات.
وقد كان الشافعى كان فى كتابه الأساسى «الرسالة» يتجاوب مع مطلب سبق أن طرحه ابن المقفع (المنظِّر الايديولوجى للخليفة العباسى ابى جعفر المنصور)
عن ضرورة توحيد السلطة الفقهية فى كل أمصار الدولة،
 لكى لا تكون التباينات الفقهية بين فقهاء الأمصار والمدن
(حيث كان لكل مدينة فقيهها وفقهها) عبئاً على الوحدة السياسية للدولة.
وقد إقترح إبن المقفع أن يتم تعميم كتاب «الموطأ» للإمام مالك على كل الأمصار. والغريب أن مالك نفسه رفض هذا التعميم لكتابه مؤسساً رفضه على أن مدونة أحكامه الشرعية ترتبط بتقاليد وأعراف أهل المدينة؛
التى تختلف عن تقاليد وظروف البيئات الأخري.
 وأن هذه الأحكام التى تتجاوب مع ظروف أهل المدينة قد لا يكون من الميسور على أهل البيئات الأخرى التجاوب معها.
 وإذ لا مجال فى كتاب الشافعى «الرسالة» لواقع أو أعراف وتقاليد تؤثر فى الحكم الفقهى الذى ينبنى على «النص» وحده؛
 وعلى النحو الذى يحول دون تعدد وتباين الأحكام الفقهية، فإنه يبدو وكأن عمل الشافعى (الأصولي) هو بمثابة إستجابة لمطلب الدولة العباسية الخاص بتوحيد المنظومة الفقهية.

- ولكن الفقه ظل متأثراً بمناطق انتاجه؟
ظل الفقه دائماً مرتبطاً بالبيئات التى نشأ فيها؛
فالبيئات الصحراوية أنتجت فقهاً مختلفاً عن ذلك الذى أنتجته البيئات الحضرية.
 لكنه يبقى أن أصول الفقه- التى هى طريقة التفكير فى الفقه- هى شيئٌ آخر غير الفقه؛ وهو ما يؤكده أن الشافعى لم يغيِّر أصول تفكيره فى الفقه رغم تغيير بعض أحكامه الفقهية بعد إستقرار المقام به فى مصر.
 فقد ظل لا يرى إمكانية للتفكير فى الفقه بمعزل عن سلطة «النص»، وبالطبع فإن كون النص واحداً لابد أن ينتج حكماً واحداً
 (وفقط يقع الخلاف- على قوله - فيما ليس فيه نص لازم، وهو الذى نضطر فيه للقياس وللقياس عنده وجهين: أحدهما أن يكون الشيئ فى معنى الأصل المنصوص عليه، وهذا قياسٌ لا يختلف بشأنه الفقهاء. إنهم فقط يختلفون فيما لا يكون فى معنى الأصل، بل تكون له فقط أشباه ونظائر فى الأصول المنصوصة، وهنا قد يختلف الفقهاء فى تعيين ما هو الأكثر شبهاً منها به ليتم إلحاقه به).
وأعتذر عن إستخدام لغة الشافعى الثقيلة لبيان مدى هشاشة الإختلاف عنده؛ حيث لا يتعدى دائرة ما ليس له فى الأصول إلا أشباه. 
ولأنك أشرت فى سؤالك إلى أن الأشعرية نشأت تحت ضغط السياسة فإنى أوافق على ذلك مؤكداً أن إنبثاق الأشعرية 
كان إستجابة بالمثل لمطلب سياسي، يتمثل فى إحتياج الدولة العباسية إلى غطاء عقائدى تغطى به ممارستها السياسية التى اتكأت فى مراحل سابقة على المعتزلة ثم الحنابلة ثم إصطدمت بهما، فصارت فى حاجة إلى عقيدة تستند إليها وهنا جاءت الأشعرية.

- تلح على رفض التقيد بالنص ما قد يفسره البعض على أنك ضد الأصل، او النص؟
المشكلة ليست فى الأصل، ولكن فى كيفية حضوره؛
وأعنى هل يحضر كسلطة ينبغى على العقل أن يخضع لها، أم أنه يحضر كنقطة بدء ينطلق منها العقل فى سعيه لإنتاج معرفة بواقعه.
 وبحسب ذلك، فإن الأمر لا يتعلق برفض الأصول والدعوة إلى إلغائها، بقدر ما يتعلق بالسعى إلى التفكير فى علاقة جديدة معها؛
على نحو تكون معه ساحة لإنتاج فهم ومعرفة فاعلة بالعالم، بدل حضورها الراهن كقيد يمنع العقل من التفكير فيها وفى العالم.
 وبالطبع فإن الأمر لا يتعلق بالأصول الدينية المقدسة فقط، بل بكل ما يتم وضعه كأصل يجب أن يخضع له الناس حتى ولو كان من صنع البشر.
ولعلى أشير، هنا، إلى أن نقد الشافعى والأشعرى نقدٌ لطريقتهما فى بناء العلاقة مع الأصول، وليس نقداً للأصول ذاتها.
 وإذا كانت الأصول فوق النقد (بسبب مصدرها المتعالي)، فإن كيفية بناء العلاقة معها تبقى أمراً قابلاً للنقد (لأن صانعيها بشر).
وهذا النقد الأخير واجبً لفتح الباب أمام الأصول لتتجاوب مع المعطيات المتغيرة للواقع.

- المعتزلة
- المعتزلة ـ فرسان العقل ـ كيف قرات خطابهم؟ وكيف تحولوا ليصبحوا سلطة تماهت مع سلطة الدولة العباسية؟

ما يلفت النظر فى المعتزلة إنتماؤهم إلى الشرائح المُهمشة إجتماعياً؛
وذلك بحسب ما يظهر من الألقاب التى تضفيها كتب الطبقات إلى أسمائهم.
 فهم منسوبون الى مهن رقيقة؛ فمنهم الإسكافى والنظَّام والعلَّاف والفوطى والكعبى الامر الذى يكشف عن إنتماء إجتماعى للطبقات الفقيرة.
ولعل ذلك هو السبب فى إنحيازهم لفكرٍ ينطلق من الواقع سعياً إلى تغييره.
وفضلاً عن الإنسحاق الإجتماعى عانوا أيضاً من الإنسحاق السياسى بوصفهم من الموالى الذين عانوا من نظرة الأمويين العنصرية ضد كل ما هو غير عربى
 (العروبة هنا بالمعنى القبلي).
ولعل هذا الإنسحاق الذى عانى منه المعتزلة (اجتماعياً وسياسياً) هو ما يقف وراء إلحاحهم على قدرة الإنسان على التحكم فى مصيره، فقد أدركوا أن سعياً لتغيير الواقع يستلزم تصوراً للإنسان مالكاً لإرادته وخالقاً لفعله؛ ما يعنى أن تصوراتهم العقائدية إرتبطت بسعيهم إلى تغيير الواقع السياسى والإجتماعي.
 فقد كانت هذه التصورات هى الأساس الذى راحوا يدافعون به عن وجودهم وهويتهم؛ وهو دفاع يستند إلى موقف إسلامى يرفض العنصرية ويجعل الناس سواسية لا تمايز بينهم إلا على أساس ما يصنعه الفرد بنفسه، وليس بما يوفره له حسبه ونسبه.
إن المهم هنا هو أن الواقع- والسعى إلى تغييره ـ كان محور تفكير المعتزلة؛ وعلى النحو الذى كانت معه الأصول-النصوص الدينية - نقطة بدء فى مقاربة الواقع، ولم تكن سلطة تفرض نفسها عليه.
أما ما أشرت إليه من علاقتهم بالسلطة، فإنه ورغم الإتفاق على التوظيف السياسى للمعتزلة فى مواجهتهم مع خصومهم من الشيعة الباطنية بالذات،
 فإن الأمر الحاسم، فى هذا الإطار، هو أن خطاب المعتزلة يبقي، فى جوهره، بعيداً عن أن يكون سلطوياً. 

- الادبيات التاريخية تعزو نشأة المعتزلة إلى خلاف فقهى حول « مرتكب الكبيرة»؟
لا يغيِّر ذلك من حقيقة إرتباط نشأة الإعتزال، بالسياسة، لأن الخلاف حول مرتكب الكبيرة كان خلافاً حول مسألة سياسية؛ حيث «الكبيرة» التى نشأ الخلاف حولها كانت كبيرة «القتل السياسي» الذى تسببت فيه المقاتل التى نشبت بين المسلمين.
وكان الخلاف، حول الحكم فيمن إقتتلوا فى حروب المسلمين؛ وهو حكم يستلزم تقييماً للموقف السياسى لهؤلاء المتصارعين.
 وما تتفق عليه المصادر من إعتبار المعتزلة «أهل العدل والتوحيد» كاشفٌ - إذ يضع «العدل» (بدلالته السياسية والإنسانية) سابقاً على «التوحيد» (بدلالته الدينية)،
 عن أن الإنشغال بالسياسى كان الغالب على المعتزلة.
 فخطابهم خطاب «العدل» الذى يقدر معه المرء بما هو مالكٌ لإرادته وصانعٌ لفعله على أن يحقق ذاته فى عالمٍ عادل تتكافئ فيه فرص البشر وتتعادل حظوظهم. فالدفاع عن العدل هو دفاعٌ عن المساواة وعدم التمييز. 

- ولكن المعتزلة تحولوا الى سلطة فى ايدى العباسيين؟
أشرت قبل ذلك إلى أنه تم توظيف الاعتزال سياسياً لخدمة العباسيين.
 لم تكن للمعتزلة إرادة فى هذا التوظيف، بل كان ذلك قرار دولة ترى أن لها الحق فى إستثمار من تشاء لخدمة مصالحها.
وعلى أى حال، فإن ما يقصد إليه الإعتزال من بناء الفرد الواعى المالك لمصيره، والمحقق لذاته بما يمتلك من قدرة على الإختيار والفعل قد يصعب قبوله والتجاوب معه من جانب الكثيرين الذين لا يقدرون على تحمُّل التبعات الجسيمة لإختياراتهم، ويفضلون الإنخراط تحت إمرة سلطة قابضة تقرر لهم وتختار.
 وحين ندرك أن الشعوب لا تزال تمارس على هذا النحو للآن، فإنه يمكن فهم الإستجابة الرافضة للإعتزال من جانب قطاعات واسعة من المسلمين فى القرون الهجرية الأولي. 

- هل نحن امام احد تجليات نظرية الجام العوام؟
لا يمكن القول أن الخطاب المعتزلى كان خطاب «إلجام للعوام» وإسكاتهم،
 لأنه، وبحسب ما تكشف نشأته بين طوائف المُهمشين، كان يسعى إلى إحضار هؤلاء العوام المُهمشين إلى الساحة.
 وعلى العكس، فإن مفهوم «إلجام العوام» إنبثق وتم تداوله بكثافة داخل الدوائر الأشعرية ولا يصح القول أن الخطاب المعتزلى يتعالى على الجماهير التى راحت تقابل هذا التعالى بالنفور منه،
وذلك لأن نفورها منه إنما يرتبط بعجزها عن تحمُّل التبعات التى يفرضها عليها تبنيه (من المسؤولية والوعى والإرادة والقدرة).
 وإذ لا مجال ضمن الإعتزال لإلجام العوام، فإنه لا تفسير لعدم تجاوب الجمهور معه إلا فى «سيكولوجية الجماهير» التى تنفر من تكليف المعتزلة لهم بما لا يطيقونه.
قد تصوغ خطاباً يبغى تحرير العوام، ولكن العوام لا يتجاوبون معه، بسبب ما يفرضه عليهم من تبعات تحمُّل مسؤولية إختياراتهم؛
وبما يعنيه ذلك من ضرورة إمتلاك الوعى والإرادة.
وهو ليس بالأمرالسهل؛ وخصوصاً مع الترويج لهذا النزوع إلى إمتلاك القدرة على الإختيار والفعل على أنه خروج عن صحيح الدين، وهذا ما لابد أن يباعد العوام عن الخطاب الذى يسعى إلى تحريرهم بالأساس.
يبقى التأكيد على أن توظيف السلطة العباسية للخطاب المعتزلى لم يجعل منه خطاباً سلطوياً؛ حيث ظل محتفظاً بثوابته من التأكيد على حرية الإرادة والقدرة على الفعل. ولكن ما سيحيله إلى خطاب سلطوى حقاً هو ما سيحدث لاحقاً من إنسراب الأشعرية إليه، وإختراقها لنظامه وقد حدث ذلك متأخراً (فى نهايات القرن الرابع الهجري) مع القاضى عبدالجبار؛ الذى يبدو متراجعاً فى الكثير من أفكاره عن سابقيه. 

- ما هى الامثلة على هذا التراجع؟
كثيرة هى العلامات التى تؤكد هذا التراجع،
 ومن بينها ما أحدثه من قلب ترتيب العلاقة بين العدل والتوحيد.
 إذ فيما كان «العدل» يأتى سابقاً على «التوحيد» عند المعتزلة الأوائل، فإن القاضى عبدالجبار سيجعل «التوحيد» سابقاً على «العدل»؛
 وذلك بحسب ما سيظهر فى عنوان كتابه «المغنى فى أبواب التوحيد والعدل».
 وفى ذلك كان متأثراً بأشعريته الأولى التى نشأ عليها ثم تحول منها إلى الإعتزال، ولكنها لم تفارقه ً فيما يبدو.
 ومن جهة أخري، فإنه إذا كانت عقلانية المعتزلة الأوائل تجلَّت فيما صاروا إليه بخصوص المعجزة مثلاً، من أن النبى ليس فى حاجة إلى معجزة حسية ملموسة يؤكد بها صدق نبوته، بل يكفي - سلامة شرعه وخلوه من التناقض.
 ويرفض القاضى عبدالجبار هذا التصور العقلانى للمعجزة، ليعيد إنتاج القاموس الأشعرى بخصوصها.
 وبالطبع فإنه لن يكون غريباً أن يتجه االاعتزال، مع القاضى عبدالجبار وورثته، إلى المزيد من السلطوية؛ وبحيث تكتمل دائرة السلطوية التى لا تزال تعيد إنتاج نفسها للآن، وإن من تحت براقع الحداثة وإكسسواراتها.
ولعل قراءة لما جرى آنذاك يمكن أن تساعد فى ادراك آليات إختراق خطاب السلطة للخطابات المعارضة، وتحويلها إلى مجرد آدوات يستخدمها فى تثبيت حضوره المؤبد. وقد تعدى إختراق الخطاب الأشعرى للخطابات المعارضة الى الخطاب الشيعى أيضأً؛ الذى لم يفعل إلا أن راح يعيد إنتاج الأشعر ية، ضمن دائرة أخري.

- الشيعة يقولون بولاية الفقيه، ويرفعون الأمام الى مصاف الأنبياء بينما الأشاعرة لم يقولوا بهذه النظرية؟
فى الحقيقة لا فرق بين الشيعة والأشاعرة فيما يتعلق بسلطوية الخطاب،
 فإذا كان الشيعة جعلوا الإمامة إختياراً إلهياً لا دخل للناس فيه، فإن «الغزالي»- وهو الأشعرى الكبير-
 يقول فى كتابه «فضائح الباطنية»: لا ينبغى أن يتصور الشيعة أن أهل السنة لا يردون الإمامة إلى الله مثلهم، بل إن أهل السنة، متشددون أكثر من الشيعة فى رد الإمامة إلى الله، وأنهم ينسبونها إلى البشر على سبيل المجاز، وليس على سبيل الحقيقة.
بمعنى أن البشر يختارون الإمام مجازاً، أما فى الحقيقة فإن إختياره يكون من الله.
 وهكذا فإن كل تدخل من البشر (ممثلين فى أهل الحل والعقد مثلاً) فى إختيار الإمام، هو تدخل مجازى.
إن الغزالى يستعير نظرية «الكسب» التى تجعل الفعل منسوباً إلى الله فى الحقيقة، وإلى الإنسان مجازاً، ويستخدمها فى مجال الفعل السياسي؛

- النص الممكن
- مشكلتنا مع المعتزلة أن خطابهم الأساسى مفقود وأن ما نقرأه عنهم منقول من الخطاب النقيض لخصومهم؟ كيف عالجت هذا الامر فى دراستك لطروحات المعتزلة؟

ـ هذه مشكلة حقيقية، وخصوصاً أنه ليس لدينا إعتزال واحد.
 فهناك المعتزلة الأوائل الذين تعرضت نصوصهم للتهميش والضياع، وهم يتميزون عن المعتزلة المتأخرين الذين تتوافر نصوصهم،
 ولكنهم أقل تعبيراً عن روح الإعتزال الأولي.
 بل إن نصوصهم تكاد تكشف عن الكيفية التى فقد معها الإعتزال بريقه وأصالته بسبب الإختراقات الأشعرية.
 وهكذا فإن المشكلة التى يعرضها سؤالك تتعلق فقط بكتابات المعتزلة الأوائل؛ ما جعل الباحثين يلجؤون لكتابات الخصوم للتعرُّف عليها.

ـ وماذا فعلت فى قراءتك للفكر الاعتزالى مع غياب النصوص؟
- بدأت أطور ما أسميه مفهوم «النص الممكن» الذى يعنى أن يمارس الباحث فى التاريخ الفكرى ويصادف مشكلة النصوص المفقودة، على طريقة الباحث فى التاريخ الطبيعى للكائنات الحية.
 فإذ يقوم هذا الباحث الأخير حين يعثر على هيكل لأحد الحيوانات المنقرضة بإعادة تركيب هذا الهيكل،
وبحيث أنه إذا حدث ولم يعثر على بعض أجزاء هذا الهيكل، فإن بإمكانه تصور الهيئة التى كانت عليها تلك الأجزاء المفقودة، إبتداءً مما يفرضه عليه البناء العام لهيكل الكائن من جهة، ومن إدراكه للهيئة التى أصبح عليها هذا الجزء المفقود فى الكائن الحى الذى تطور عن الكائن المنقرض.
وهكذا يقوم الباحث بتشكيل الجزء المفقود من الهيكل، لا على نحو يتعلق بمزاجه ، بل طبقاً لشروط موضوعية تتعلق بما يفرضه شكل البناء الكلى للكائن، وبما يفرضه التطور اللاحق للكائن.
وبالطبع فإنه يمكن القول عن الجزء المفقود الذى يقوم الباحث بتشكيله ليصبح هيكله مكتملاً أنه «الجزء الممكن».
 وعلى نفس الطريقة يمكن أن يعيد الباحث فى تاريخ الفكر بناء النصوص المفقودة، فى ضوء وعيه بالهيكل الفكرى العام الذى ضاعت بعض نصوصه من جهة، وبالتطورات اللاحقة لهذا الهيكل الفكرى من جهة أخرى
 (حتى لو كانت تلك التطورات تظهر فى نصوص الخصوم).
 وبالطبع فإنه لا يمكن القول أن هذا «النص الممكن» نصٌ يختلقه الباحث على هواه، لأن الباحث يكون مُقيَّداً بشروط موضوعية تقوم خارج ذاته.
 إن النص يكون ممكناً بسبب توافقه مع الهيكل الموضوعى العام للخطاب المعتزلي، وليس بسبب إفتراض الباحث له. 
"نظرية النص المكن تحتاج الى استبيان طويل وجدل ليس مجاله هذاالحوار ولذلك نرجئها الى حوار اخر"

ـ قد افهم ما تقوله عن الاشاعرة ونسبهم، وتسربهم إلى المعتزلة لكن أن تقول فى مقالك المنشور فى مجلة الف إن خطاب ابن رشد كان أشعريا فهذا ما لا افهمه ـ وربما لا أصدقه؟
اعمل على مشروع قراءة لتراث الفلسفة الأسلامية الذى تمثل فى تراث الأربعة الكبار: الكندى والغزالى وابن سينا وابن رشد.
وهناك قراءة تميل إلى انقسام هذا الارث إلى مدرستين
 الأولى هى الافلاطونية نسبة الى افلاطون فى صيغتها الاسلامية ويمثلها الغزالى وابن سينا،
 والثانية تمثل الأرسطية
(نسبة الى ارسطو) ويمثلها الكندى وابن رشد، وأنا ارفض هذا المفتاح اليونانى للقراءة وارى أن المفتاح الاساسى هو القسمة بين منظومتى السنة والشيعة اللتين تربى عليهما الفلاسفة قبل ان يتعرضوا للفكر اليوناني
عندما تكلمت عن العقل الذى ساد فى الإسلام بشكل أساسى وان السمة الأساسية الغالبة عليه إنه عقل تفكير بالنص وهو ما تطور بعد ذلك مع مايسمى بحقبة الحداثة العربية إلى عقل تفكير بالنموذج الغربى الجاهز أو النموذج الليبرالى أو النموذج القومى أو إلى آخر النماذج اللى انشغل بيها العرب
عند الكلام عن ابن رشد نكتشف انه لم يستطع ان يكسر هذا النموذج،
ولكنه تحول من نموذج أو من أصل إلى أصل آخر فقد دشن ارسطو تحديدا باعتباره الأصل الذى تتأسس عليه عقلانيته
ولابد ان نميز بين العقلانية كنظام أو العقل كنظام وبين العقل كمضمون،
 ربما تجد هنا أو هناك بعض نظرات عقلانية فى عمل ابن رشد لكن هذا سيظل من قبيل عقلانية المضمون.
وهذه الشذرات العقلانية يمكن ان نجدها عند الأشعرى نفسه
وما أريد ان أوجه اليه هو ان النموذج الأساسى الذى اشتغل عليه العقل السائد فى الإسلام هو عقل أشعرى فى بنيته وفى نظامه
 وهو نفسه العقل الذى اشتغل به حيث يتعامل مع ارسطو باعتباره اصلا
وجعل قضيته الفلسفية بشكل أساسى تنقية ارسطو
مما يتصور إنه تحريفات دخلت على ارسطو
 ولابد من استعادة ارسطو الاصل وهذا منهج أشعرى بامتياز كما أن ابن رشد يعتبر ارسطو آخر أو أعظم عقل حقق الكمال للإنسان
 فبماذا يختلف هذا القول عن قول سلفى على الجبهة الأخرى الذى يقول أن النص الإسلامى أعظم وارقى وأكثر النصوص عقلانية وهو الذى لابد ان يبدأ منه كل تفكير وينتهى اليه.
 بهذا الشكل نكتشف إن ابن رشد ربما لم يقدر على كسر نظام العقل الذى ساد فى الإسلام واحتفظ بنفس بنية هذا العقل 


- كيف تفسر اذا تقديم ابن رشد على اساس انه رائد العقلانية العربية او الاسلامية؟
أرى أن ابن رشد أو الأشعرى تتم قراءتهما فى الثقافة العربية المعاصرة

 بطريقة تجزيئية تهدر فى الغالب السياقات التى كتبت فيها طروحاتهما تهدر مفهوماً
 مهما فى القراءة هو مفهوم كلية النصوص
 فالافكار بنية لها نظام لا يمكن الاحاطة بها عبر هذه النزعة التجزئية
واللافت ان النظرة التجزيئية فى القراءة احدى تجليات الفكر الاشعرى الذى تقوم نظرته للعالم على هذا التفتيت والانفصال بين ظواهره فـعندما تحاول التفتيت إلى منهج فى القراءة فـكأنك تحول الاشعرية إلى ظاهرة تتخلل تقريبا كل مسعى انساني.
وفى تصورى هذا أمر خطر
 وفيما يقال عن عقلانية ابن رشد ينسى الدارسون انه تبنى الهراركية اليونانية
التى تقسم الناس إلى ثلاثة طبقات أساسية،
طبقة العوام
 وطبقة الفلاسفة أو اهل الجدل وهى طبقة ارقى من العوام وتقف بينهم وبين الحكام
على راس هذا الهرم، والطريقة التى تعامل بها مع العوام وحتى مع أهل الجدل قائمة على شكل من أشكال الاقصاء والإستبعاد الكامل
 إذ دعا ابن رشد الى ضرورة حجب العوام والجامهم عن التأويل لأن اشتغالهم بهذه المسائل ربما يكون ضاراً بهم وأعتقد أن هذه المقولة ترددها كل الأنظمة العربية بلا استثناء اذ تعمل على اقصاء الجماهير عن الإنشغال بالشؤون العامة.
وفى ظنى فان مسألة عقلانية ابن رشد تحتاج الى اعادة التفكير فيها بشكل عقلانى 

- سؤالى عن اسباب استدعاء ابن رشد من الذاكرة لاقامة نصب العقلانية دائما؟
أنا أقدر إن هناك مفكرين عرب يحاولون تدشين خطاب عقلانى فى واقعنا الحالى ويتكئون فى محاولاتهم على نموذج رشد
واريد ان انبه الى إن هذا الاتكاء قد لا يكون فى محله اذ لابد ان نكون واعين على الأقَل بحدود هذه العقلانية الرشدية.
وهذه القراءة لعقلانية ابن رشد تعولمه اى تجعله جزءا من ظاهرة معولمة،
 لكنها تنسى شيئا مهما هو إن هذه العقلانية لها وظيفة اجتماعية وتاريخية
 ولا اتصور ان مهمة العقلانية ان تساعد السلطة على الفهم وهذا هو الدور الذى كان مطلوبا من ابن رشد إن يلعبه
 ان يشرح للسلطة أو يفسرلها ما يغمض عليها وان يشرح لها ارسطو كرفاهية ثقافية. ومسألة ان ابن رشد حافظ على العقلانية الاغريقية
التى استلمتها منه اوروبا فى وقت ما واستطاعت إن تبنى عليها عقلانيتها
 تحتاج الى مراجعة لان اروربا بنت عقلانيتها ضد ارسطو وبتجاوز منطقه الذى حافظ عليه ابن رشد.
والكتاب المشهور لابن رشد" فصل المقال فى ما بين الحكمة والشريعة من اتصال". نكتشف عند قراءته إن ابن رشد يستعير من الغزالى استعارات واسعة جداً ليس من قبيل نقد هذه الأفكار وإنما يستعير هذه الأفكارليبنى عليها
ـ ومازلنا فى حاجة إلى ان نفتح قوساً حول العقلانية الرشدية ونعيد قراءتها من جديد - 

هل يمكن اعتبار ابن رشد نموذجاً سياسياً لدور المثقف فى خدمة السلطان؟
الإتجاه السائد لدى قطاع عريض من المثقفين واقع فى قبضة السلطان بشكل دائم
ولا يجد لنفسه عملا إلاخدمة السلطان
وفى درس ابن رشد بإعتباره نموذج للمثقف الذى خدم الدولة يهمنى أن أعرف ماذا فعلت دولة السلطان مع مثقفها
 فبرغم أن ابن رشد قام بدوره بمنتهى الأمانة ومنتهى الإخلاص
 ومع ذلك عندما اشتمت الدولة إن ارتباطها به يمكن ان يؤدى إلى مشكلة لها ضحت به بمنتهى السهولة
ويظل هناك اسماء على مدى التاريخ الإسلامى من المثقفين والفقهاء وجدوا لأنفسهم ادواراً غير خدمة الدولة وانحازوا لللجماهير ونشير هنا إلى عمر مكرم الذى اراه ممثلاً لنموذج المثقف المرتبط بالناس منذ قاد الثورة ضد الفرنسيين

- ولكن مكرم الذى قاوم الفرنسيين هو احد اسباب تثبيت الطاغية محمد على؟
إن دوره التاريخى فى تولية محمد على
 كاشف عن الانحياز للجمهور فى مواجهة الدولة العثمانية صاحبة السلطة فى هذا الوقت والتى كانت لديها رغبة فى تنصيب خورشيد باشا
 ولكن العلماء بمن فيهم عمر مكرم كانوا يرون أن هناك امكانية فى تحقيق نهضة مصر لو تولى الحكم فيها محمد على ودافعوا عن هذا الاختيار وفرضوه على الدولة.

تم النشر في جريدة الأهرام بتاريخ 6 ينايــــــر 2012
بقلم / محمد حربي