الخميس، يناير 24، 2013

الجماعة اليهودية ،،





تحولت الدعوة إلي عودة اليهود المصريين إلي مصر‏,‏ إلي مادة للاحتراب السياسي‏(‏ بل وحتي الهزلي‏)‏ بين شرائح النخبة المصرية المتنابذة‏.‏
وإذا كان الباب قد انفتح- رغم كل شيء- أمام بعض الكتابات الرصينة التي سعت إلي التحاور مع هذه الدعوة, بالجدية الواجبة, فإن هذه الكتابات قد ركزت, في معظمها, علي الجوانب التاريخية المتعلقة بخروج اليهود( الثاني) من مصر, وأهملت السياق الفكري الذي تحقق ضمنه هذا الخروج.

وإذا كانت المسألة اليهودية- التي شغلت الفكر الأوروبي الحديث- هي السياق الفكري 
للخروج اليهودي الحديث, علي العموم, فإن حديثاً في الشأن اليهودي, من دون الوعي بها, يبقي ثرثرة من غير طائل. 
فقد فرضت جملة عوامل معقدة علي اليهود أن يكونوا إحدي مشكلات عصر الحداثة; وأعني من حيث بلغوا هذا العصر, وهم يحملون علي ظهورهم تاريخا طويلا حدد لهم وضع الجماعة التي وجدت نفسها تقوم- في إطار النظام الإقطاعي الوسيط- 
بوظائف وأدوار يستنكف غيرها عن القيام بها, ولكنها تبقي وظائف ضرورية, 
ولا يمكن للمجتمع الإقطاعي الاستغناء عنها. 
وبالطبع فإن التاريخ الطويل من الاختصاص بممارسة تلك الوظائف كان لابد أن يؤدي- لا محالة- إلي أن تستبطن هذه الجماعة منظومة القيم والعادات الثقافية التي تقترن بهذه الوظائف;
 وإلي الحد الذي تكاد معه تصبح محددات لطرائقها في التفكير والتعبير والسلوك. 

فالإنسان- فردا أو جماعة- لا يتشكل تفكيرا وسلوكا في الفراغ,
 بل ضمن سياق يفرض عليه شكل حضوره. 
وبالطبع فإن ذلك يعني سقوط الفكرة التي تقول إن ثمة طبيعة خاصة لجماعة ما هي التي تحدد لها شكل حضورها في العالم; حيث إن السياق التاريخي الشامل الذي يتطور وجود الجماعة داخله هو المحدد لشكل حضورها.
ولأسباب ترتبط بطبيعة الظهور التاريخي المبكر للجماعة اليهودية,
 فإن الأنشطة التجارية والربوية كانت هي الأنشطة التي برزت فيها تلك الجماعة,
 ومن دون أن يعني ذلك أن اليهود لم يمارسوا غيرها علي مدي التاريخ. 
وفقط فإن تركيز اليهود علي ممارسة تلك الأنشطة بالذات هو الذي يقف وراء ظهور ما يسمي بالمسألة اليهودية, بكل ما أثارته- ومازالت- علي صعيد الفكر والسياسة.
 إذ يبدو أن الظهور المبكر لليهود, علي مسرح التاريخ, كجماعة من البدو العبرانيين الرحل هو الذي يقف اختصاصهم, أكثر من غيرهم, بالأنشطة التجارية والربوية التي تعتمد, وبشكل أساسي, علي التنقل والتجوال. والحق أن الجماعات ذات الأصل الرعوي المترحل تبقي الأكثر استعدادا للانهماك في النشاط التجاري.
ولعل الأمر لا يقف, فحسب, عند مجرد سياق التشكل المبكر لليهود كجماعة من البدو العبرانيين الرحل, 
بل ويرتبط بما لاحظه بعض علماء الاجتماع الديني( المتأثرين بأفكار الألماني ماكس فيبر) من أن الدين اليهودي ذاته قد ساهم في جعل اليهود أقلية تعمل بالتجارة والربا; 
وذلك من حيث لا يركز هذا الدين علي العالم الآخر, ولا يركز علي الزهد في الدنيا, 
كما أن الدارس للتلمود يكتشف أنه يتحدث عن التجارة باعتبارها أشرف المهن,
 وعن الإقراض باعتباره هدية من الله لليهود.
 وبالطبع فإن ذلك كان لابد أن يؤدي إلي تثبيت صورة اليهودي المرابي في المجتمعات التي عاش فيها اليهود; وهي صورة سلبية مرذولة, تجر علي صاحبها الكراهية والاضطهاد.
ولقد ترتب علي ذلك أن أخذ اليهود وضع الجماعة الطفيلية التي تتعلق علي جسد المجتمع, ولكنها تبقي غريبة عن روحه, وقد أعطي ذلك لليهودي وضع من يسكن في المجتمع بجسده, ولكنه لا ينتمي إليه بروحه, فبدا أشبه بالإنسان المعلق في الهواء, فلا يندمج في المجتمع, ولا ينفصل عنه, بل يحيا في منطقة المابين, أو في المنزلة بين المنزلتين.
 وحتي كساكن بجسده في المجتمع, فإنه قد اختار الإقامة في معازل الجيتو, ليؤكد انفصاله وعزلته. 
وهكذا فإنه قد ظل يعيش بإحساس أجداده الغابرين; وأعني إحساس العابر( اللامنتمي), أو غير المقيم. وإذا كان الرب( إله العهد القديم) قد وهب أجداده أرضا يستقرون عليها, فإنه- ورغم تنائي الزمان والمكان- قد ظل يحمل ولاء غامضا لهذه الأرض البعيدة; وهو ما فاقم من عزلته عن محيطه. ولقد كان ذلك كله- وبالتضافر مع حقيقة أن مسيحية المجتمعات, التي عاش اليهود بين ظهرانيها, قد جعلتها تحمل عداء تقليديا لهم, بسبب ما تنسبه إليهم من تلوث أيديهم بدم المسيح- هو الأصل في كل التوترات التي أدت إلي ظهور المسألة اليهودية, التي كانت عنوانا علي أن اليهود, في المجتمعات الأوروبية, قد أصبحوا مشكلة لابد من حل لها.
ولقد تبلور التفكير في حلول للمسألة اليهودية في اتجاهين; 
مضي( أولهما)- وهو الحل التنويري- نحو إخراج اليهود من العصور الوسطي, عبر تخليص اليهودية من إرثها الأسطوري المتعلق بالعودة إلي أرض الميعاد, وتحويلها إلي ديانة أخلاقية روحية, ونبذ أي جانب يتعارض مع العقل منها, وفصل الدين اليهودي عما يسمي بالقومية اليهودية, ودعوة اليهود إلي الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها, وأن يكون ولاؤهم لبلدانهم, وليس لقوميتهم الدينية المتخيلة. 
ولقد استقرت السيادة لهذا الطرح علي مدي أكثر من قرن, حتي نهايات القرن التاسع عشر التي شهدت تبلور الحل الصهيوني للمسألة اليهودية, الذي تستقر له السيادة حتي الآن, رغم وفائه لتقاليد العصور الوسطي. حيث ينبني علي تحفيز المواريث الأسطورية في اليهودية, وربط الدين اليهودي بالقومية والأرض, ودعوة اليهود للعودة إلي جبل صهيون, 
وإلي أن يكون ولاؤهم للأرض الموعودة القديمة, وليس للبلدان التي يعيشون فيها.  

وباختصار, فإنه يقوم علي أن تجاوز المأزق اليهودي لن يكون إلا بالعودة إلي الماضي ما قبل
 الحديث; وذلك فيما يقوم الحل التنويري علي ضرورة أن يكون اليهود جزءا من الحداثة الحاضرة. ورغم معاداته لروحها- وذلك من حيث يقوم علي استدعاء حلول الماضي, وإدارة الشأن السياسي والاجتماعي لليهود بالدين, فإن الحداثة الأوروبية قد انحازت للحل 
الصهيوني لما يقدمه من خدمة لسياساتها الاستعمارية في الشرق الأوسط.

لكن الغريب, حقا, ألا يدرك دعاة الإسلام السياسي أنهم- وببنائهم لخطابهم علي استدعاء
 حلول الماضي, وإدارة الشأن السياسي بالدين- إنما يدعمون استمرار الحل الصهيوني, علي 
نحو لا يملكون معه القدرة علي وضع نهاية له.... لذا لزم التنويه.

تم النشر في جريدة الأهرام بتاريخ 24 / ينايـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر / 2013





الثلاثاء، يناير 22، 2013

المحــــاضــرة الرابعـــــــــــة ،،




عن تعريف علم الكلام كان موضوع المحاضرة السابقة للدكتور علي مبروك ..
وانتهى بنا الى أن تعريف علم الكلام ينقسم الى قسمين :
*قسم يتضمن الحِجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية .
*وقسم يتضمن الرد على المبتدعة .

القسم الأول :
الحِجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية :

معنى كلمة حِجاج كما ذكرنا سابقاً هو الدفاع .. وبما أن هناك دفاع فلابد من وجود هجوم ..
فهل هذا الهجوم من داخل الإسلام أم من خارج الإسلام ؟؟
ولذلك السؤال اجابة نموذجية :  وهو انه يوجد هجوم من الداخل ومن  الخارج ..
ويستهدف الهجوم من الداخل إلغاء الدين
أما الهجوم من الداخل فيستهدف إعلاء شكل الدين بطريقة متزمتة أو متطرفة أو خاطئة .
ولكن ..!!!
لابد من إعمال العقل لتحديد إن كانت القراءات المطروحة قراءات متطرفة او خاطئة أو قراءرات هدفها هدم الدين ..
فالعقل هو المهيمن والمسيطر على النص وهو الذي يستبعد جميع القراءات الآخرى..
ومن هنا نجد أن هناك فرقاً بين الهجوم من داخل الإسلام ومن خارج الإسلام :
من خارج الإسلام :
هجوم على العقائد الإيمانية مثل القضاء على التوحيد .
من داخل الإسلام :
وفيها يكون الهجوم على تصور ما و اجتهاد ما للعقائد .

مــثــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــال :
الشيعي عندما يهاجم التصورات السنية أو الأشعرية .. فهو لا يهاجم عقائد إيمانية وإنما تصورات لهذه العقائد ... ومن ثم يقوم الشيعي بتوحيد عقائده بالإسلام .. وبموجب ذلك فإن الرافض لعقيدة هذا الشيعي أصبح خارجاً عن الإسلام .
إذاً لا يمكن التسوية بين الهجوم من داخل الإسلام  ( رفض المعتقد بأسره ) ومن خارج الإسلام (رفض التصورات فقط )..

وعلى ذلك فإن هذا القسم من تعريف علم الكلام يُقْبل في حالة الدفاع عن رد الهجوم 
من الخارج وليس من الداخل ...
لذلك لابد أن نعرف هل كان الهجوم المقصود في التعريف من الداخل أم من الخارج ؟!!!
هناك سبيلين للإجابة على هذا السؤال :
*الرجوع للتاريخ لمعرفة نشأة هذا العلم وهل نشأ لمواجهة خصوم داخلية أم خصوم خارجية  .
*نلجأ للقسم الثاني من التعريف الذي يقول :
الرد على المبتدعة المنحرفين في الإعتقادات عن مذاهب السلف والسنة .

القسم الثاني :
الرد على المبتدعة المنحرفين :

هل يمكن تحديد الخصم الأساسي في العلم من هذا القسم ؟؟
إن هذا القسم من التعريف هو الذي يحدد نوع الخصومة ..
وهي خصومة داخلية ..
وهذه الخصومة تكشف عن فريقين :
*الفريق الأول : المبتدعة المنحرفـــــين .
*الفريق الثاني : السلف والسنـــــــــــــــــــــــــة .
والفريق السائد والمسيطر هو فريق السلف والسنة ولهذا اعتبر أن كل الخارج عليه مبتدعة ومنحرفين ... أي اعطاهم صفتين :
*صفــــــة البدعة أو الضلالة .
* صفـــــــة الإنحـــــــــــــراف .
ولهاتين الصفتين دلالة .. فصفة الانحراف هو وصف الشخص في الدنيا ..
أما صفة البدعة فهي صفة تصف الشخص في الآخرة:
 " كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار "

والآن يعود بنا الدكتور على مبروك الى نص تعريف علم الكلام كما هو موضح في مقدمة
 ابن خلدون.. 
حيث نجد أن التعريف السابق له لغة منحازة لفريق السلف والسنة  المذاهب الأخرى
كما أن لفظ المبتدعة المنحرفين لفظ بالغ الخطورة لأنها تمنعنا من المعرفة الحقة لأنه حول أهل السلف لنموذج صحيح وسليم والخروج عليه هو الانحراف والبدعة .

ومن هنا نجد أن القسم الأول _ الحِجاج عن العقائد الإيمانية_ من التعريف قدم
احتمالين :
1-احتمال خصومة خارجية
2-احتمال خصومة داخلية
وجاء القسم الثاني _ الرد على المبتدعة _ ليؤكد احدى الاحتمالين وهو  احتمال الخصومة من الداخل. 

نستخلص من ذلك أن قسمي التعريف غير متسقين لأن القسم الأول يفترض أن
 الخصومة خارجية بينما القسم الثاني يوضح أن الخصومة داخلية .
وهذا ما سيجعلنا نختبر التعريف بطريقة أخرى وهي الرجوع الى تاريخ علم التعريف ..

فإلى لقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء ،،


************************************************




الاثنين، يناير 21، 2013

د/ علي مبروك وسيطرة الدين علي السياسة ،،



حوار الدكتور علي مبروك مع حركة مصر المدنية 

29 / ديسمبــــــــــــــــــــــر / 2012




اسباب هجوم المتظاهرين في الاسكندرية علي
الشيخ المحلاوي!!

وكيف سوف تنتقم السياسة ؟؟

وخطورة ربط اشخاصهم بالدين علي الدين نفسه !! 

و ماهو مفهموم الشريعة؟؟ 



***************************************************



الثلاثاء، يناير 15، 2013

المـحـــــــاضـرة الثـــالثــــــة ،،




عندما انتهى الدكتور علي مبروك في المحاضرة السابقة ..
من توضيح الدوائر الصغيرة التي نشأت حول البؤرة الأساسية في الثقافة العربية (القرآن الكريم ) ..
كان لابد من تسليط الضوء على مركز من داخل دائرة العلوم العقلية النقلية وهو :

علم الكلام أو علم العقائد ..

ويُعد هذا العلم مركزاً للثقافة ..
بمعنى أن هناك علوماً كثيرة إلتمست أسسها ومبادئها واصولها في علم الكلام
* فالعمل الذي يقوم به المؤرخ والطريقة التي يفكر بها ليست موجودة في علم التاريخ وانما موجودة في علم الكلام .
وسنجد في داخل هذا المركز (علم الكلام ) مركز آخر يتمثل في نظرية من أخطر النظريات على الإطلاق ولها تأثيرها الخاص على كل الثقافات وليس على علم الكلام فقط ..
تلك النظرية هي : " الجوهر الفرد "

*********************************
يستمر الدكتور علي مبروك بإثارة فضولنا عن هذا العلم الذي يعتبر  مركزاً في حد ذاته لعلوم مختلفة وثقافات عديدة !!
وكان السؤال الذي يطرح نفسه الآن :

ما هو علم الكلام ؟؟
لم يسلك الدكتور علي طريقاً سهلاً لوضع تعريفاً معلباً لعلم الكلام ..
وإنما أراد أن يأخذ هذا التعريف من مقدمة ابن خلدون ..
ولكن !! لماذا ابن خلدون تحديداً ؟؟؟
يسترسل دكتور علي ويقول :

هناك 3 اسباب لذلك : -
1-    انتماء ابن خلدون لهذا العلم كاتباً ومفكراً فيه .
2-    ابن خلدون جاء في فترة متأخرة كان العلم ( علم الكلام )..
قد اكتمل وأخذ دورته النهائية .
3-    ابن خلدون كان مؤرخاً للعلوم لذا فقد حقق درجة من الوعيّ تمكنه من الحديث عن مختلف العلوم .

ماذا يقول العلم عن نفسه على لسان ابن خلدون ؟؟

 { علم الكلام يتضمن الحِجَاج (Argumentation) عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية .. والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف والسنة  . }

*******************
لم يكتفي أستاذنا بتسجيل ذلك التعريف السابق لنقوم بحفظه ودراسته كما هو موضوع بين الأقواس ..
دائماً ما يبدو الأمر مختلفاً لأستاذنا الفاضل .. فها هو يحاول التوغل في افكارنا من جديد .. لينبه طلابه الى نقطة هامه :

كيف نقرأ هذا النص السابق ( التعريف ) ؟؟
بمعنى ..
هل هناك اشياء أخرى لم يصرح بها ذاك النص ؟؟؟
واذا كان هناك ما هو مسكوت عنه فكيف يمكن بلوغه ؟؟

في البداية لابد ان نُميّـــز بين قسمين في هذا التعريف :-
·      قسم يتضمن الحِجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية .
·      قسم يتضمن الرد على المبتدعة الى آخر التعريف .

قاربت المحاضرة على الانتهاء ..
ولكن قبل ان يتركنا دكتور علي .. راح يثير فضولنا مرة أخرى للمحاضرة القادمة ..

هل هذا العلم بالفعل (يتضمن الحِجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية ) أم أنه مجرد إدعاء ؟؟
ولكي ندرك ذلك لابد أن نسأل سؤالين :
·      هل تفيد الجملة السابقة فعل معين ؟؟
نعم هناك .. فكلمة الحِجاج معناها الدفاع .. وفعل الدفاع لابد أن يسبقه الهجوم فلا وجود لدفاع من غير هجوم !!
·      هل كان هناك هجوم على العقائد الإيمانية ؟؟ وهل كان هذا الهجوم من المسلمين أم من خارجهم ... أو من هو هذا الخصم الذي يهاجم على وجه العموم ؟؟!! 


**************************************************




الاثنين، يناير 14، 2013

حوار الدكتور علي مبروك في برنامج الدفاتر القديمة


لقاء المفكرالدكتورعلي مبروك أستاذ علم الكلام بجامعة القاهرة

 ببرنامج الدفاتر القديمة 

على شاشة القناة الثقافية..تقديم الشاعروالإعلامي محمود شرف

 و إعداد عمر عبد العزيز و إخراج نيفين حامد

تاريخ الحوار /
21 نوفمبـــــــــــــــــر 2012

الجزء الأول 

========================

الجزء الثاني 
=======================


الجزء الثالث 
======================


الجزء الرابع 
=======================


الجزء الخامس 

*********************************************
مشاهدة طيبة ،،


الخميس، يناير 10، 2013

تأملات فكرية في المشهد المصري الراهن




رغم أن مصر كانت‏,‏ قبل مجئ الأوروبيين بحداثتهم إليها‏,
 تشهد تطوراً بطيئاً بلغ ذروته في السعي إلي الاستقلال عن السلطنة العثمانية علي يدي علي بك الكبير عند أواسط القرن الثامن عشر تقريبا,
فإن أحداً لا يجادل في أن سؤال التغيير قد انبثق زاعقاً في مصر مع تعرضها للقصف بالحداثة الأوروبية التي جاء بها جيش نابليون مع بزوغ شمس القرن التاسع عشر.

ولقد كان هذا المجيء الأوروبي حاسماً, إلي حد إمكان القول إنه لولاه, لما كان لسؤال التغيير أن ينبثق علي هذا النحو من الحدة في مصر.
وبالطبع فإن ذلك يعني أن انبثاق سؤال التغيير علي النحو الذي تبلور به مع مطلع القرن التاسع عشر, لم يكن نتيجة تطورات ذاتية تعتمل في قلب الواقع
( ولو كان اعتمالها بطيئا),
بقدر ما إن شروطا خارجية ضاغطة كانت هي التي فرضته بقوة لا مهرب منها.
ولعله يلزم التأكيد علي أن حصول التغيير كنتاج لتطورات ذاتية بالأساس لا يعني حصوله في استقلال أو انعزال كامل عن كل مؤثر خارجي,
بقدر ما يعني أن الذاتي لا يخضع لسطوة الشرط الخارجي ويتحدد به,
بل يقوم بتوظيف هذا الشرط الخارجي لحسابه; 
وإلي حد تحويله إلي عنصر في بنائه.
ولابد هنا من التأكيد علي أن الطريقة التي ينبثق بها فعل التغيير إنما تحدد طبيعته ونظامه ومضمونه.
إذ فيما يئول انبثاق فعل التغيير كنتاج لتطورات ذاتية بالأساس, إلي أن يجعل منه حركة شاملة في العقل والمجتمع والدولة جميعا,
 فإن انبثاقه كضرورة فرضها الاصطدام مع الخارج قد جعل منه حركة تدور حول الدولة بالأساس, ولا تتعلق بكل من المجتمع والعقل إلا علي نحو هامشي.
 ولقد كان هذا الانبثاق الأخير هو المحدد الأساسي لمسار التغيير في مصر;
وبمعني أنه قد راح- ومنذ البدء- ينبني حول الدولة,
 وعلي نحو سياسي وإجرائي خالص.
وعملياً, فإن ذلك كان يعني أن التغيير هو فعل الدولة ومطلبها, وأن المجتمع هو مجرد الموضوع الذي سيجري عليه التغيير, وليس الفاعل المبدع له.

 ولقد كان ذلك ما عبر عنه, صراحة, أول من نطق بخطاب حول التغيير في مصر; وأعني به المعلم يعقوب الذي لابد أن يدهش المرء لوعيه الدقيق بطبيعة التغيير وآلياته في تلك اللحظة المبكرة عند مطلع القرن التاسع عشر.
 فقد مضي الرجل يحدد للتغيير في مصر مساره قاطعا بأن تغييراً في مصر لن يكون نتاج أنوار العقل, أو اختمار الآراء الفلسفية المتصارعة, ولكن تغييراً تجريه قوة قاهرة علي قوم وادعين جهلاء.
 وهكذا فإن وعي يعقوب
- الغريب علي رجل يعيش في مصر في تلك اللحظة المبكرة-
بأن هناك التغيير, بما هو فعل العقل, لم يمنعه من إدراك حقيقة أن التغيير في مصر لن يكون إلا فعل القوة التي ستجسدها الدولة;
 سواء كانت دولة الجنرال( الذي هو بونابرت في حينه), أو دولة الباشا لاحقا.
وإذ تحدد للدولة موضع الفاعل الرئيس للتغيير,
 فإن ذلك قد جعل منه مجرد ممارسة ذات تمركز حول الخارج وحده;
علي أن يكون مفهوما أن الخارج, هنا, لا يتعلق فحسب بأوروبا كمصدر خارجي تستورد منه الدولة أدوات التغيير, بل وبالمجتمع الذي وقف التغيير الذي تجريه الدولة عند سطحه الخارجي أيضا.
إذ يبدو للملاحظ أن الدولة لم يشغلها من أوروبا إلا المنتجات الملموسة الصلبة لحداثتها, سواء التقنية أو السياسية
( ولم تنشغل بما يؤسس لهذه المنتجات من بنيات عقلية ومعرفية واجتماعية),
كما لم يشغلها من المجتمع, بالمثل, إلا مجرد تغيير قشرته الخارجية السطحية,
 أي واقعه البراني الملموس
(ومن دون أن تنشغل أيضا بما يؤسس لهذه القشرة من أبنية ذهنية وقيمية كامنة). 

وبالطبع فإن ذلك مما يؤكد أن مركز التغيير لم يجاوز,
 منذ ابتداء الانشغال به في مصر, حدود السطح الخارجي إلي ما يرقد تحته أبدا;
 سواء تعلق الأمر بأوروبا كمصدر للتغيير, أو بالمجتمع المصري ذاته, كموضوع لهذا التغيير; وبما يئول إليه ذلك من أن الأساس الفلسفي النظري الكامن,
 الذي يؤسس لكل من التقدم الأوروبي من جهة, والتأخر المصري من جهة أخري,
 لم يكن موضوعا لتفكير الدولة أو انشغالها.
وفي كلمة واحدة, فإنه قد كان الانشغال الذي لم يجاوز فيه فعل التغيير حدود السطح أبدا.
وليس من شك في أن ذلك يرتبط بأن الدولة لا تنشغل إلا بما هو قابل للتحقق البراني الملموس, ولا يمكنها التعويل- لذلك- إلا علي المنتج النهائي الجاهز القابل للمعاينة والقياس. إنها- وإذا جاز التمثيل- تشتغل بمنطق قطف الثمرة,
 وليس أبدا تقليب التربة وغرس الثمرة.
وإذن فإنها, وفي كلمة واحدة, لا تنشغل بالتأسيس العقلي الجواني,
بقدر ما تنشغل بالملموس المادي البراني.
 وغني عن البيان أن هذا الدور المركزي للدولة قد حدد الطريقة التي تعامل بها الآباء المؤسسون لما يقال انه الفكر العربي الحديث
( الذي يتحكم في بناء ما يقال إنها التجربة العربية الحديثة),
 لا مع حداثة أوروبا فحسب, بل ومع التراث السائد في المجتمع أيضا.

فقد راحوا يمايزون في الحداثة بين مكونين;
أحدهما براني مسموح باستيراده ونقله, ويتمثل في منتجاتها الجاهزة التقنية والسياسية,
 والآخر هو مكونها الجواني المتمثل في أساسها النظري والفلسفي, والذي جري التأكيد علي لزوم الابتعاد عنه وعدم التعرض لعدواه.
وعلي نفس المنوال, فإنهم ميزوا في تراث المجتمع بين ذات المكونين البراني والجواني, ولكن موقفهم بخصوص المقبول والمرذول من هذين المكونين في التراث قد اختلف عما كان عليه الحال في الحداثة.
 فالبراني في التراث قد صار هو المرذول علي عكس ما عليه الحال في الحداثة,
وأما الجواني فيه( وهو ما يتعلق بالبنية الذهنية المهيمنة) فهو المقبول علي عكس ما عليه الحال في الحداثة أيضا.
وتبعاً لذلك, فإن الصيغة التي جري اعتمادها للتغيير قد انبنت علي الجمع بين ما هو مقبول من التراث والحداثة معا; وأعني بين البراني من الحداثة وبين الجواني من التراث.
وهكذا جاءت الحداثة بمنتجاتها الجاهزة الجديدة, وحضر التراث بفكرته التقليدية, والجاهزة أيضا, وكان مطلوبا منهما أن يسكن الواحد منهما إلي جوار الآخر في سلام.

ولأن هذين المكونين لم يكونا مجرد مقولتين فارغتين,
 بل كانت لهما حواملهما الاجتماعية الحية,
 فإن هذه الحوامل كانت مجبرة أيضا علي أن يسكن الواحد منها بجوار الآخر, وكانت الدولة هي التي تفرض عليهما هذا التجاور الساكن.
 ومع تراخي قبضة الدولة, فإن صيغة التجاور الساكن لابد أن تنفجر, علي نحو ما حدث في العراق, وما يحدث في مصر الآن.
 ويبقي المستقبل مرهونا بالقدرة علي تجاوز هذا التجاور الساكن إلي ما يسمح بالتفاعل الخلاق بين المكونات الفكرية والاجتماعية, أو أن تستعيد الدولة قبضتها, بعد تعافيها, ويعود الأمر إلي ما كان.

تم النشر في جريدة الأهرام بتاريخ 10/ ينايـــــــر/2013