الدكتور علي مبروك واحد من أهم زملاء نصر أبو زيد ورفاق رحلته البحثية
في "الدراسات القرآنية"،
بالإضافة إلي هذا فلقد رافقته في رحلته الأخيرة إلي أندونيسيا للبحث في مشروعهما المشترك حول إنشاء "المعهد الدولي للدراسات القرآنية" هناك.
عاصر مبروك مرض أبو زيد يوما بيوم،
كما عاصره بمستشفي الشيخ زايد بالقاهرة.
يقدم لنا هنا تقريرًا عن مرض العالم الأخير، كما يحدثنا عن المشروع المشترك الذي يفترض أن يقوم بتغيير طريقة نظر المسلمين إلي تراثهم.
شاركت نصر أبو زيد رحلته الأخيرة إلي أندونيسيا.
كيف بدأت بوادر مرضه وكيف تم اكتشافها؟
المرض لم يتم التعامل معه منذ وقت مبكر كمرض. عندما وصل إلي أندونيسيا كان بكامل لياقته الذهنية والعقلية.
قضي وقتا طويلا بكامل اللياقة ثم بدأت تظهر بوادر انفصال إلي حد بعيد،
مثل عدم التركيز فيما نقوله، كأنه مشغول بشيء ما حميم يخصه،
عندما حدث هذا عبرت عن انزعاجي لبعض الأصدقاء الذين نعمل معهم في مشروع "المعهد الدولي للدراسات القرآنية".
كان تفسيرهم أن ما يحدث أقرب إلي تجربة روحية يمر بها نصر،
كان يتحدث بلغة من بلغ أخيرا حقائق الأشياء، كلامه كان فيه قدر كبير جدا من الإيجاز والكثافة في نفس الوقت،
وعندما عبرت له هو شخصياً عن انزعاجي طمأنني وقال له أنه دخل في تجربة معاينة.
استعمل لفظ "معاينة"؟
بالضبط. وقال أنه الآن يري الحقائق كما لم يكن يبصرها.
أنا كنت أطمئن نفسي أنه ربما كان الموضوع فعلاً يسير في الاتجاه الروحي
وليس الصحي، كنا نقوم بجولات طويلة ونلتقي بأشخاص فاضطررت لمغادرة نصر لمدة ثلاثة أو أربعة أيام.
وعندما عدت وجدت حالته قد أصبحت أكثر سوءاً.
تشاورت مع بعض الأصدقاء.
قلنا أنه لابد له من مغادرة أندونيسيا، إما إلي القاهرة أو أمستردام، والوحيدة التي كان يفترض أن تأخذ هذا القرار هي زوجته الدكتورة ابتهال يونس. حدثتها تليفونيا.
شرحت لها أن هناك شيئا غير طبيعي في حالة نصر،
وأن هناك قراءة بأن ما يحدث له مجرد تجربة روحية،
ولكنني غير مقتنع تماما بهذه القراءة، وأنه من الصعب أن نجد في أندونيسيا من يفهم حالته ويتابعها.
واختارت أن يعود إلي القاهرة.
لم يكن ممكناً لنصر أن يسافر وحده إلي هولندا.
بالإضافة لهذا فبالتأكيد لم يكن لدي أي منا تقدير حقيقي لخطورة حالته في هذه المرحلة المبكرة. عندها قررنا الانتقال للقاهرة.
نصر يتحدث ويأكل ويشرب بدون مشاكل. وجهزنا الأمر بحيث يكون هناك طاقم طبي في انتظاره، لم نذهب للبيت، ذهبنا إلي المستشفي مباشرة.
ولكن في مصر بدأت الأمور تتفاقم بشكل مريع.
تعتقد أن الأمور كانت ستصبح أفضل لو كان قد وصل مبكرا إلي مستشفي؟
لا أعرف بالضبط مصداقية هذا الكلام.
ولا أستطيع الحكم علي أي كلام طبي،
ولكن عندما تركته لأول يوم في المستشفي كانت حالته لا بأس بها،
فقط لحظات قليلة يبتعد فيها ثم تصبح حالته علي ما يرام،
وعندما جئنا من المطار كان يتحدث مع السائق بشكل طبيعي جدا.
لابد لي من الإشارة إلي أن الخدمة الطبية في مصر سيئة فعلا، يكفي أننا قضينا عشرة أيام في المستشفي في حالة عدم يقين.
لم نكن نعرف مما يعاني نصر بالضبط.
الأطباء كانوا يضعون فروضا ويختبرونها،
وكل فرض يقومون باختباره ليومين أو ثلاثة أيام،
قيل أنه يعاني من فيروس، وقيل جلطات صغيرة في الرأس ومالاريا والتهاب سحائي، يبدو أن الانهيار الذي أصابنا في كل المناطق لم يستبعد المجال الطبي.
هل كان في غيبوبة؟
لم يدخل أبدا في غيبوبة.
حتي الفترة التي انفصل فيها عن العالم كان مايزال يتحرك ويفتح عينيه،
وجسمه كان يقوم بكل وظائفه الحيوية.
أتصور أن معدل الانهيار في أندونيسيا كان أقل منه في مصر،
علي الرغم من تعاطيه للأدوية التي كان يفترض أن تساعد جسمه
علي مقاومة الفيروس.
عبرت للطبيب عن هذه الملاحظة، ووافقني، بدون أن يعلق أو يفسر.
دوماً كان يقال لنا أنه مادام الجسم قد دخل في منطقة الفيروس
فعلينا ان نتوقع أن تظل حالته هكذا لشهرين أو ثلاثة،
وعندما يشفي لا يمكن التنبؤ كم سيخسر من قدراته العقلية والذهنية.
وقيل لنا أننا نحتاج إلي وقت.
أصبت باليأس من كل هذا الكلام.
والآن لا أعرف هل يتعلق الأمر بأنه بدأ العلاج متأخرا، أم بالتأخر في القدرة علي تشخيص المرض، ولا أعرف أيضاً تفسير الفيروس،
هل هو صحيح أم لا.
ناقشتما في أندونيسيا موضوع إنشاء "المعهد الدولي للدراسات القرآنية"،
إلي أية مرحلة وصل مشروعكما؟
أتصور أن هذا المعهد قد يكون أفضل تكريم لنصر حامد أبو زيد،
نحن العاملين بنفس المجال نتصور أن روح نصر موزعة فينا،
وهذا المشروع يظل هو الآداة والوسيلة التي نؤكد من خلالها أن نصر حي ومستمر في العالم، من خلال فكرته.
انطلاقاً من فكرتنا المشتركة بأن المسلمين يعيشون أزمة مع أنفسهم ومع العالم،
وأن الإسلام قد تم اختطافه من جانب جماعات تدعي التماهي والتوحد معه وبالتالي ترتكب جرائم في حق المسلمين وغيرهم علي السواء،
ومن فكرتنا بأن المسار السياسي وحده لا يكفي لحل هذه المشكلة
وأنه لابد من العمل علي مسار ثقافي ، فكرنا في هذا المشروع.
منطقتنا منخرطة منذ قرنين في مشروع لبناء دولة حديثة ولكنها لم تؤد إلا لمزيد من الاستبداد والظلامية.
ولماذا تم اختيار أندونيسيا؟
موضوع أندونيسيا جاء لاحقاً،
أخبرني نصر أنه عرض الأمر علي جهة مهمة في مصر،
وكان مقترحا لها أن تقوم بتبنيه، ولكن الجهة قالت له ببساطة أنهم
"لا يريدون وجع دماغ".
وجاء العرض من أندونيسيا، حتي من قبل أن نعرض المشروع علي أحد،
حدث هذا من خلال علاقات نصر أبو زيد الطيبة بالرئيس الأندونيسي السابق
عبد الرحمن واحد،
المشكلة في اندونيسيا أن الإسلام تم اختطافه من جانب جماعات سلفية، تحارب التقاليد الأندونيسية المتسامحة.
الإسلام الإندونيسي التقليدي كما كان يقول نصر عنه "إسلام مبتسم"، ومتسامح
، ولا يمكن فيه أبدا القبول بفكرة أحادية تحكم الجميع،
من هنا أنشأ الرئيس عبد الرحمن واحد مع البروفيسور شامل معاريف منظمة "الحرية للجميع"
لتحاول معالجة الأضرار التي تسبب فيها هذا التغلغل للإسلام الوهابي داخل المجتمع الإندونيسي، وهي المنظمة التي قامت بتبني إنشاء المعهد.
وماذا عن الخطوات الأولية للمشروع....
كيف عملتما عليه؟
منذ يناير الماضي، وكان نصر في القاهرة، ونحن نعمل علي المشروع.
أقمنا جلسات عمل مكثفة للغاية تبدأ في الصباح وتنتهي في المساء،
كان هناك بعد قائم علي الورقة الأكاديمية للمشروع،
وبعد يتعلق بالتعامل مع علماء الدين التقليديين، في النهاية أنت لا تريد لمشروعك أن يكون مشروعا للصفوة، تريده أن يصل للناس.
وهناك بعد يتعلق بالميديا من أجل إيصال أفكارنا والإعلان عنها،
كما أننا نحتاج تمويلا كي نتمكن من كل هذا.
كتبنا سبعين ورقة بالإنجليزية وقمت أنا بترجمتها للعربية.
وأرسلنا إلي كل من يعنيهم الأمر نسخا من هذه الورقة، من مثقفين وأكاديميين ورجال دين، من الداخل والخارج،
أرسلنا إلي شخصيات بإيران وباكستان والولايات المتحدة،
وقمنا في سفرتنا الأخيرة لأندونيسيا بلقاءات مباشرة مع من قرأوا الورقة، وتصوير لقاءات مع بعض الشخصيات التي تتحدث عن أهمية هذا المشروع، لكي يمكن استخدامها في الدعاية له.
كان مقرراً لهذه الزيارة أن تستمر لثلاثة أشهر،
ولكنني أزعم أن الأسبوعين اللذين قضيناهما في أندونيسيا كانا كافيين لنقوم بالجهد الأساسي في هذا الإطار.
والهدف الأساسي للمشروع كما تراه؟
في قلب هذا المشروع كان تقديم قراءة مغايرة للقرآن،
المشكلة أن جميع تفسيرات القرآن كانت تفسيرات خطية،
تبدأ من سورة الفاتحة وتنتهي بسورة الناس،
بعض القراءات كانت موضوعاتية، أي أنها تعمل علي موضوعات بعينها،
مثل المال مثلا، ولكن مشكلة هذه التفسيرات أن بعض رواسب الأيديولوجيا
قد تسللت إليها.
فكرتنا كانت تقديم قراءة تعتمد علي التيمات الأساسية في القرآن،
مثل تيمة الحدود والعقاب مثلا، وتيمة خلق العالم،
علي شرط أن يتم قراءة هذه التيمات من خلال تعالقها وتشابكها معاً.
هناك تفسيرات كثيرة قامت بالتركيز علي تيمات بعينها لصالح تهميش تيمات أخري، تقرأ تفسير القرطبي مثلا فتشعر أنه كتاب في اللاهوت لفرط ما اهتم
بالتيمة اللاهوتية في القرآن،
أو القصاص الذي تجده مهتما أكثر من أي شيء آخر بالحدود العقابية.
كنا نعتقد أن هذه قراءات مختزلة بعض الشيء.
تم النشر في أخبار الأدب بتاريخ 10يوليــــــــــو 2010
كتب/ نائل الطوخي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق