السبت، يوليو 10، 2010

عن نصر حامد أبو زيد


علي مبروك شريك الطموح ورحلة المرض:

 رأينا بوادر شروده فتصورناها تجربة روحية



الدكتور علي مبروك واحد من أهم زملاء نصر أبو زيد ورفاق رحلته البحثية
 في‮ "‬الدراسات القرآنية‮"‬،‮ 
‬بالإضافة إلي هذا فلقد رافقته في رحلته الأخيرة إلي أندونيسيا للبحث في مشروعهما المشترك حول إنشاء‮ "‬المعهد الدولي للدراسات القرآنية‮" ‬هناك‮.
‬عاصر مبروك مرض أبو زيد يوما بيوم،
‮ ‬كما عاصره بمستشفي الشيخ زايد بالقاهرة‮. ‬
يقدم لنا هنا تقريرًا عن مرض العالم الأخير،‮ ‬كما يحدثنا عن المشروع المشترك الذي يفترض أن يقوم بتغيير طريقة نظر المسلمين إلي تراثهم‮. ‬

شاركت نصر أبو زيد رحلته الأخيرة إلي أندونيسيا‮. ‬

كيف بدأت بوادر مرضه وكيف تم اكتشافها؟
المرض لم يتم التعامل معه منذ وقت مبكر كمرض‮. ‬عندما‮  ‬وصل إلي أندونيسيا كان بكامل لياقته الذهنية والعقلية‮.
‬قضي وقتا طويلا بكامل اللياقة ثم بدأت تظهر بوادر انفصال إلي حد بعيد،‮
 ‬مثل عدم التركيز فيما نقوله،‮ ‬كأنه مشغول بشيء ما حميم يخصه،‮
‬عندما حدث هذا عبرت عن انزعاجي لبعض الأصدقاء الذين نعمل معهم في مشروع‮ "‬المعهد الدولي للدراسات القرآنية‮".
‬كان تفسيرهم أن ما يحدث أقرب إلي تجربة روحية يمر بها نصر،
‮ ‬كان يتحدث بلغة من بلغ‮ ‬أخيرا حقائق الأشياء،‮ ‬كلامه كان فيه قدر كبير جدا من الإيجاز والكثافة في نفس الوقت،‮
‬وعندما عبرت له هو شخصياً عن انزعاجي طمأنني وقال له أنه دخل في تجربة معاينة‮.‬

استعمل لفظ‮ "‬معاينة"؟
بالضبط‮. ‬وقال أنه الآن يري الحقائق كما لم يكن يبصرها‮. ‬
أنا كنت أطمئن نفسي أنه ربما كان الموضوع فعلاً يسير في الاتجاه الروحي
 وليس الصحي،‮ ‬كنا نقوم بجولات طويلة ونلتقي بأشخاص فاضطررت لمغادرة نصر لمدة ثلاثة أو أربعة أيام‮.
 ‬وعندما عدت وجدت حالته قد أصبحت أكثر سوءاً‮.
تشاورت مع بعض الأصدقاء‮.
‬قلنا أنه لابد له من مغادرة أندونيسيا،‮ ‬إما إلي القاهرة أو أمستردام،‮ ‬والوحيدة التي كان يفترض أن تأخذ هذا القرار هي زوجته الدكتورة ابتهال يونس‮. ‬حدثتها تليفونيا‮.
شرحت لها أن هناك شيئا‮ ‬غير طبيعي في حالة نصر،‮
‬وأن هناك قراءة بأن ما يحدث له مجرد تجربة روحية،
‮ ‬ولكنني‮ ‬غير مقتنع تماما بهذه القراءة،‮ ‬وأنه من الصعب أن نجد في أندونيسيا من يفهم حالته ويتابعها‮.
 ‬واختارت أن يعود إلي القاهرة‮.‬
لم يكن ممكناً لنصر أن يسافر وحده إلي هولندا‮.
‬بالإضافة لهذا فبالتأكيد لم يكن لدي أي منا تقدير حقيقي لخطورة حالته في هذه المرحلة المبكرة‮. ‬عندها‮  ‬قررنا الانتقال للقاهرة‮.
 ‬نصر يتحدث ويأكل ويشرب بدون مشاكل‮.‬‮ ‬وجهزنا الأمر بحيث يكون هناك طاقم طبي في انتظاره،‮ ‬لم نذهب للبيت،‮ ‬ذهبنا إلي المستشفي مباشرة‮.
‬ولكن في مصر بدأت الأمور تتفاقم بشكل مريع‮. ‬

تعتقد أن الأمور كانت ستصبح أفضل لو كان قد وصل مبكرا إلي مستشفي؟
لا أعرف بالضبط مصداقية هذا الكلام‮.
‬ولا أستطيع الحكم علي أي كلام طبي،‮
 ‬ولكن عندما تركته لأول يوم في المستشفي كانت حالته لا بأس بها،‮ ‬
فقط لحظات قليلة يبتعد فيها ثم تصبح حالته علي ما يرام،‮
‬وعندما جئنا من المطار كان يتحدث مع السائق بشكل طبيعي جدا‮.
‬لابد لي من الإشارة إلي أن الخدمة الطبية في مصر سيئة فعلا،‮ ‬يكفي أننا قضينا عشرة أيام في المستشفي في حالة عدم يقين‮.
‬لم نكن نعرف مما يعاني نصر بالضبط‮. ‬
الأطباء كانوا يضعون فروضا ويختبرونها،‮
 ‬وكل فرض يقومون باختباره ليومين أو ثلاثة أيام،‮
 ‬قيل أنه يعاني من فيروس،‮ ‬وقيل جلطات صغيرة في الرأس ومالاريا والتهاب سحائي،‮ ‬يبدو أن الانهيار الذي أصابنا في كل المناطق لم يستبعد المجال الطبي‮.‬

هل كان في‮ ‬غيبوبة؟
لم يدخل أبدا في‮ ‬غيبوبة‮.
‬حتي الفترة التي انفصل فيها عن العالم كان مايزال يتحرك ويفتح عينيه،‮ ‬
وجسمه كان يقوم بكل وظائفه الحيوية‮.
‬أتصور أن معدل الانهيار في أندونيسيا كان أقل منه في مصر،‮
‬علي الرغم من تعاطيه للأدوية التي كان يفترض أن تساعد جسمه
علي مقاومة الفيروس‮. ‬
عبرت للطبيب عن هذه الملاحظة،‮ ‬ووافقني،‮ ‬بدون أن يعلق أو يفسر‮.
 ‬دوماً كان يقال لنا أنه مادام الجسم قد دخل في منطقة الفيروس
 فعلينا ان نتوقع أن تظل حالته هكذا لشهرين أو ثلاثة،‮ ‬
وعندما يشفي لا يمكن التنبؤ كم سيخسر من قدراته العقلية والذهنية‮.
‬وقيل لنا أننا نحتاج إلي وقت‮.
‬أصبت باليأس من كل هذا الكلام‮.
‬والآن لا أعرف هل يتعلق الأمر بأنه بدأ العلاج متأخرا،‮ ‬أم بالتأخر في القدرة علي تشخيص المرض،‮ ‬ولا أعرف أيضاً‮ ‬تفسير الفيروس،‮ ‬
هل هو صحيح أم لا‮.‬

ناقشتما في أندونيسيا موضوع إنشاء‮ "‬المعهد الدولي للدراسات القرآنية‮"‬،‮ ‬
إلي أية مرحلة وصل مشروعكما؟
أتصور أن هذا المعهد قد يكون أفضل تكريم لنصر حامد أبو زيد،‮ ‬
نحن العاملين بنفس المجال نتصور أن روح نصر موزعة فينا،‮
‬وهذا المشروع يظل هو الآداة والوسيلة التي نؤكد من خلالها أن نصر حي ومستمر في العالم،‮ ‬من خلال فكرته‮. ‬
انطلاقاً من فكرتنا المشتركة بأن المسلمين يعيشون أزمة مع أنفسهم ومع العالم،‮
‬وأن الإسلام قد تم اختطافه من جانب جماعات تدعي التماهي والتوحد معه وبالتالي ترتكب جرائم في حق المسلمين وغيرهم علي السواء،
‮ ‬ومن فكرتنا بأن المسار السياسي وحده لا يكفي لحل هذه المشكلة
 وأنه لابد من العمل علي مسار ثقافي‮ ‬،‮ ‬فكرنا في هذا المشروع‮.
‬منطقتنا منخرطة منذ قرنين في مشروع لبناء دولة حديثة ولكنها لم تؤد إلا لمزيد من الاستبداد والظلامية‮. ‬

ولماذا تم اختيار أندونيسيا؟
موضوع أندونيسيا جاء لاحقاً،‮
 ‬أخبرني نصر أنه عرض الأمر علي جهة مهمة في مصر،‮ ‬
وكان مقترحا لها أن تقوم بتبنيه،‮ ‬ولكن الجهة قالت له ببساطة أنهم‮
"‬لا يريدون وجع دماغ‮".
 ‬وجاء العرض من أندونيسيا،‮ ‬حتي من قبل أن نعرض المشروع علي أحد،‮
 ‬حدث هذا من خلال علاقات نصر أبو زيد الطيبة بالرئيس الأندونيسي السابق
عبد الرحمن واحد،‮
‬المشكلة في اندونيسيا أن الإسلام تم اختطافه من جانب جماعات سلفية،‮ ‬تحارب التقاليد الأندونيسية المتسامحة‮.
 ‬الإسلام الإندونيسي التقليدي كما كان يقول نصر عنه‮ "‬إسلام مبتسم‮"‬،‮ ‬ومتسامح
،‮ ‬ولا يمكن فيه أبدا القبول بفكرة أحادية تحكم الجميع،‮
‬من هنا أنشأ الرئيس عبد الرحمن واحد مع البروفيسور شامل معاريف منظمة‮ "‬الحرية للجميع‮"
 ‬لتحاول معالجة الأضرار التي تسبب فيها هذا التغلغل للإسلام الوهابي داخل المجتمع الإندونيسي،‮ ‬وهي المنظمة التي قامت بتبني إنشاء المعهد‮. ‬

وماذا عن الخطوات الأولية للمشروع‮....
كيف عملتما عليه؟
منذ يناير الماضي،‮ ‬وكان نصر في القاهرة،‮ ‬ونحن نعمل علي المشروع‮.
 ‬أقمنا جلسات عمل مكثفة للغاية تبدأ في الصباح وتنتهي في المساء،‮
‬كان هناك بعد قائم علي الورقة الأكاديمية للمشروع،‮ ‬
وبعد يتعلق بالتعامل مع علماء الدين التقليديين،‮ ‬في النهاية أنت لا تريد لمشروعك أن يكون مشروعا للصفوة،‮ ‬تريده أن يصل للناس‮.
‬وهناك بعد يتعلق بالميديا من أجل إيصال أفكارنا والإعلان عنها،‮ ‬
كما أننا نحتاج تمويلا كي نتمكن من كل هذا‮.
 ‬كتبنا سبعين ورقة بالإنجليزية وقمت أنا بترجمتها للعربية‮.
‬وأرسلنا إلي كل من يعنيهم الأمر نسخا من هذه الورقة،‮ ‬من مثقفين وأكاديميين ورجال دين،‮ ‬من الداخل والخارج،‮
‬أرسلنا إلي شخصيات بإيران وباكستان والولايات المتحدة،‮
‬وقمنا في سفرتنا الأخيرة لأندونيسيا بلقاءات مباشرة مع من قرأوا الورقة،‮ ‬وتصوير لقاءات مع بعض الشخصيات التي تتحدث عن أهمية هذا المشروع،‮ ‬لكي يمكن استخدامها في الدعاية له‮.
‬كان مقرراً لهذه الزيارة أن تستمر لثلاثة أشهر،‮
‬ولكنني أزعم أن الأسبوعين اللذين قضيناهما في أندونيسيا كانا كافيين لنقوم بالجهد الأساسي في هذا الإطار‮. ‬

والهدف الأساسي للمشروع كما تراه؟
في قلب هذا المشروع كان تقديم قراءة مغايرة للقرآن،‮
‬المشكلة أن جميع تفسيرات القرآن كانت تفسيرات خطية،‮
 ‬تبدأ من سورة الفاتحة وتنتهي بسورة الناس،
‮ ‬بعض القراءات كانت موضوعاتية،‮ ‬أي أنها تعمل علي موضوعات بعينها،‮
 ‬مثل المال مثلا،‮ ‬ولكن مشكلة هذه التفسيرات أن بعض رواسب الأيديولوجيا
 قد تسللت إليها‮.
‬فكرتنا كانت تقديم قراءة تعتمد علي التيمات الأساسية في القرآن،‮ ‬
مثل تيمة الحدود والعقاب مثلا،‮ ‬وتيمة خلق العالم،
‮ ‬علي شرط أن يتم قراءة هذه التيمات من خلال تعالقها وتشابكها معاً‮.
‬هناك تفسيرات كثيرة قامت بالتركيز علي تيمات بعينها لصالح تهميش تيمات أخري،‮ ‬تقرأ تفسير القرطبي مثلا فتشعر أنه كتاب في اللاهوت لفرط ما اهتم
 بالتيمة اللاهوتية في القرآن،‮ ‬
أو القصاص الذي تجده مهتما أكثر من أي شيء آخر بالحدود العقابية‮. ‬
كنا نعتقد أن هذه قراءات مختزلة بعض الشيء‮. ‬

تم النشر في أخبار الأدب بتاريخ 10يوليــــــــــو 2010
كتب/ نائل الطوخي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق