الخميس، أكتوبر 04، 2012

عدم جواز ولاية غير المسلمين

إذا كان المقال السابق
" عدم ولاية غير المسلمين .. هل هي من الدين حقاً "

قد كشف عن الحضور الطاغي لفعل القراءة‏,‏
 حتى في حال اكتفاء المرء بمجرد ترديد آيات القرآن‏,‏
 فإنه يلزم التأكيد علي أن القرآن يصبح, عبر هذا الفعل,
 موضوعا لضروب من التوجيه (الناعمة والغليظة) التي لا تكون
 ـ في غالب الأحوال ـ موضوعا لوعي الممارسين لها.


ويتحقق هذا التوجيه ليس فقط عبر إنطاق وإسكات دلالات بعينها ينطوي عليها القرآن, بل وعبر ما يبدو وكأنه إبدال الدلالات التي فرضها التاريخ بتلك التي يتضمنها القرآن.
 ولعل مثالا علي هذا الضرب الأخير من التوجيه, الذي يجري فيه إستبدال دلالة التاريخ بدلالة القرآن, يأتي من قراءة آية قرآنية تنشغل بتعيين معني المسلم والإسلام, وبما لذلك من تعلق مباشر بمسألة عدم جواز ولاية غير المسلمين;
وأعني بها قوله تعالي:
إن الدين عند الله الإسلام.
فالدلالة المستقرة, في وعي الجمهور, للآية تنبني علي أن معني الإسلام ينصرف إلي ذلك الدين الذي إبتعث به النبي الكريم محمد(,); وبما لابد أن يترتب علي ذلك من أن المسلمين هم- وفقط - أتباع هذا النبي الكريم.

ولسوء الحظ, فإن هذه الدلالة التي إستقرت, في وعي الجمهور, للفظتي إسلام/مسلمين تمثل تضييقا أو حتي نكوصا عن الدلالة التي يقصد إليها القرآن خلال إستخدامه لكلتا اللفظتين.
بل إن إختبارا لهذا الإستخدام القرآني يكشف عن أن هذه الدلالة المستقرة للفظتي إسلام/مسلمين تكاد أن تكون قد تبلورت ـ وتطورت ـ خارج القرآن,
علي نحو شبه كامل.
وإذن, فإنها تبدو أقرب ما تكون إلي الدلالة الإصطلاحية, التي تمتزج فيها المقاصد الواعية وغير الواعية لمن إصطلحوا عليها; وعلي النحو الذي تعكس فيه عناصر تجربتهم التاريخية, ولو كان ذلك علي حساب القرآن ذاته.

فإذ تنبني الدلالة الإصطلاحية علي صرف معني لفظة مسلمين مثلا, إلي أتباع النبي محمد(,) 
فحسب,
 فإن الدلالة السيمانطقية, الغالبة علي الإستخدام القرآني لتلك اللفظة ذاتها, لا تقصر المعني علي هؤلاء فقط, 


بل تتسع به ليشمل غيرهم من أتباع الأنبياء السابقين أيضا.
 وهكذا, فإن اللفظة مسلمون/مسلمين قد وردت, في القرآن, حوالي ست وثلاثين مرة, إنطوت فيها, في الأغلب, علي دلالة تسليم المرء وجهه لله, من دون أن يكون ذلك مقرونا بإتباع نبي من الأنبياء بعينه. 
بل إن بعض الآيات يستخدم لفظة مسلمون/مسلمين صراحة, للإشارة إلي من هم من غير أتباع النبي محمد(,).

ومن ذلك, مثلا, إشارته إلي بني يعقوب بإعتبارهم من المسلمين;
 وذلك في قوله تعالي:
 أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت,
 إذ قال لبنيه:
 ما تعبدون من بعدي, قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون ........ البقرة:133
والحق أن المرء يكاد يلحظ أن القرآن يكاد, علي العموم, أن يصرف دلالة اللفظة إلي فعل التسليم لله وذلك فيما تلح الدلالة الإصطلاحية علي صرف الدلالة إلي فعل الإتباع لنبي من أنبياء الله بالذات.
وتبعا لذلك, فإنه إذا كان غير المسلم هو
ـ بحسب دلالة الإصطلاح المستقرة, في وعي الجمهور ـ
 كل من لا يتبع دين النبي محمد(,), فإنه, وبحسب الدلالة المتداولة في القرآن, هو كل من لا يسلم وجهه لله; وبما لابد أن يترتب علي ذلك من أن كل من يسلم وجهه لله حقا, هو من المسلمين, حتي ولو لم يكن متبعا لدين النبي الخاتم.

 وإذ يفتح ذلك الباب أمام إدخال البعض ممن يقال أنهم من غير المسلمين إلي دين الإسلام, إبتداء من تسليمهم الوجه لله, فإنه سوف يفتحه بالمثل أمام إخراج الكثيرين ممن يقال أنهم من المسلمين, من دين الإسلام, لأنهم لا يعرفون الإسلام بما تسليم الوجه لله, بل بما هو قناع لتسليم الناس ـ أو حتي إستسلامهم ـ لهم, بدلا من الله.

 فإنه إذا كان القصد من تسليم الناس وجوههم لله وحده, هو تحريرهم من الخضوع لكل آلهة الأرض الزائفة, فإن ما يجري من تحويل الدين إلي قناع لاستعباد الناس وتيسير السيطرة عليهم لا يمكن أن يكون من قبيل الإسلام أبدا.
ولعل ذلك يكشف عن عدم إنضباط مفهوم غير المسلم; وأعني من حيث تبقي المسافة قائمة بين المعني الذي يصرفه إليه القرآن من أنه زمن لا يسلم وجهه للهس وبين المعني الذي فرضه عليه التاريخ من أنه زمن لا يتبع نبوة محمد عليه السلام.

 وبالطبع فإنه لا مجال للإحتجاج بأن معني الإسلام, بما هو تسليم الوجه لله, قد تحقق علي الوجه الأكمل مع نبوة النبي الخاتم محمد(,), فإن القرآن يتضمن بين جنباته ما يزحزح هذا الإعتقاد; وذلك حين يمضي إلي أن ثمة من اليهود والنصاري والصابئة من يتشارك مع المؤمنين بنبوة محمد عليه السلام في تسليم الوجه لله حقا,
وأنهم ـ لذلك ـ لهم أجرهم عند ربهم...
ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
إذ يقول تعالي:
 إن الذين آمنوا( يعني بمحمد) والذين هادوا والنصاري والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم...البقرة:62.
 وهكذا فإن القرآن لا يقصر معني الإسلام بما هو تسليم الوجه لله ـ حتي بعد إبتعاث النبي محمد(,) ـ علي المؤمنين بنبوته فحسب,
بل إنه يتسع به ليشمل غيرهم أيضا.

 وغني عن البيان أن ذلك يرتبط بحقيقة أن مدار تركيز القرآن هو علي فعل تسليم الوجه لله وحده وليس علي الباب الذي يتحقق من خلاله هذا الفعل,
 وحتي علي فرض أن القرآن يمضي إلي أن الباب الأكمل لتحقق هذا الفعل هو باب النبي محمد(,),
 فإنه لم يدحض إمكان تحققه من غير هذا الباب أيضا.

يبدو, إذن, أن التاريخ, وليس القرآن,
 هو ما يقف وراء تثبيت الدلالة المستقرة للآية القرآنية إن الدين عند الله الإسلام
 وهو ما يدرك من يستدعي هذه الآية أنه سيلعب دورا حاسما في توجيه المتلقين لها إلي إنتاج ذات الدلالة المستقرة.
وهو يدرك أيضا أن إثارة المعني السيمانطيقي المتداول في القرآن للفظة إسلام سيؤدي, لا محالة, إلي زحزحة الدلالة التي قام التاريخ بترسيخها, ومن هنا أنه يسكت عنه تماما, رغم ما يبدو من ظهوره الجلي في القرآن.
 فهل يدرك المتلاعبون سياسيا بالإسلام أنهم ينحازون للتاريخ علي حساب القرآن؟

تم النشر في جريدة الأهرام بتاريخ 4 / أكتوبر /2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق