الاثنين، يونيو 20، 2011

حوار الدكتور علي مبروك مع جريدة الأهرام عن الربيع العربي



د. علي مبروك:
 الربيع العربي احتجاج على دولة القوة وسعى لتحقيق دولة العدل


قال د. على مبروك، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، إن الدولة العربية الحديثة كانت دولة قوة وليست دولة عدل، والربيع العربى الحاصل حاليًا هو احتجاج على دولة القوة، وسعى لتجاوزها إلى دولة العدل. 

واعتبر مبروك أن الحوار المصرى الراهن حول الدولة المدنية لم يجاوز بعد منطقة الشعار، وأن كل ما يقال فى سبيل تحقيقه ينصب فى غالبيته على الجانب الإجرائى والسياسى والأيديولوجى، وكأن هذه الإجراءات معزولة عن الشروط الثقافية والعقلية التى تحققها. 

وأكد مبروك ضرورة خلخلة وتفكيك المنظومة الفقهية والعقائدية كأحد الشروط المعرفية والثقافية لبناء مشروع النهضة الجديدة. ورأى فى حواره مع "بوابة الأهرام" أن منظومات الفكر الإسلامى القديمة لم تعد قادرة على الإجابة عن تلك النصوص ما يجعل التحدى الأكبر فى الإجابة على تلك الأسئلة هو الخروج من دائرة التفكير القديمة. 

وانتقد أستاذ الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام بجامعة القاهرة -الذي تنصب اهتماماته الأكاديمية والفكرية بالدرجة الأولى على خلخلة الأصول التى يقوم عليها الفكر الإسلامى ومحاولة تجديده بتفكيك الأسس الكامنة وراء خطابه- الحديث عن الدولة المدنية فى حدودها الإجرائية المتمثلة فى دستور جديد وانتخابات نزيهة، دون النظر فى الأسس الفكرية لتلك الدولة، ودون النظر إلى إمكانية وجود الشروط الفكرية والثقافية التى تمكن تلك الدولة من الوجود أم لا. 

ودلل مبروك صاحب كتب "ما وراء تأسيس الأصول: مساهمة فى نزع أقنعة التقديس" و"لعبة الحداثة بين الجنرال والباشا" و"النبوة من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ"- على ذلك بالقول إن العرب منخرطين فى تجارب برلمانية ودستورية وأشكال متعددة للدولة الحديثة منذ أمد بعيد، ولكنهم لم يستطيعوا تحقيق حلم الدولة المدنية أو الدولة الحديثة بتعبير آخر لانشغالهم بالجوانب الإجرائية، وقال إن هناك سؤالا كبيرا حول هوية تلك الدولة المدنية أو الحديثة لم يطرح بعد. 

وأضاف أن تشكيل "الدولة" فى مصر منذ بداية القرن التاسع عشر كان تحقيقًا لمنطق القوى التى تفرغه، فالقوة كانت هى الأداة التى تستمد منها الدولة وجودها لا العقل، فالقوة هى التى مثلت التغيير وأدواته، أى أن كيان الدولة بالكامل تم التماسه من فضاءات القوة، فهل التشكيل الجديد الذى نريده هو دولة القوة أم دولة العدل وهذ سؤال كبير؟ 

وأوضح أن الشروط التى يتحدث عنها هنا هى شروط معرفية فى جوهرها وتعنى بالأساس بإخراج الناس من شروط التفكير القديمة وتصور الفرد على أنه إنسان عاقل حر وفاعل ومريد، إضافة إلى العمل على تغيير البنيات الذهنية الحاكمة للإنسان العربى من خلال عمل نقدى نفتح به الباب لظهور هذا الإنسان. 

وأكد صاحب "سؤال الحداثة" على أنه لا يعنى أبدًا التوقف عن العمل على المستوى السياسى والإجرائى، ولكن بالأحرى العمل على مستويين مستوى سياسى ومستوى ثقافى عقلى، بحيث تخضع المنظومات المهيمنة فى المجتمع للوعى النقدى وعلى رأس تلك المنظومات الفقهية والعقائدية منها. 

وأهم شروط تأسيس النهضة الجديدة فى رأى صاحب "ما وراء تأسيس الأصول" تفكيك المنظومات القائمة وعلى رأسها المنظومة الفقهية والعقائدية من خلال دراسة معرفية خاصة تستجلى وتستقصى الأساليب التى تقوم عليها تلك المنظومة، فهو يرى أننا فى حاجة لتجاوز مفهوم الاجتهاد بمعناه التقليدى، لأنه ممارسة خاضعة للقواعد المحددة للمنظومة القديمة، ونحن نحتاج لأن نعمل خارجها الآن ونفتح الباب لبلورة منظومة جديدة وهذا يتطلب تأسيس وعى نقدي. 

وقال مبروك توضيحا أن ما يعنيه هنا أن المفهوم المؤسس للمنظومة الفقهية الحالية هو مفهوم النسخ، وفى الأحكام، وهو مفهوم إشكالى وسبّب إشكاليات كبيرة،
فبسببه يعتقد البعض أن آية "السيف" {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} (البقرة: 91) تنسخ خمسمائة آية عن التسامح مع أصحاب الديانات الأخرى، مؤكدا أن ما يجادل به هنا هو أن مفهوم النسخ نفسه هو مفهوم غير راسخ وعلينا تجاوزه. 

وأوضح مبروك فكرته قائلاً إن مفهوم النسخ يفترض أننا على علم بالترتيب الزمنى والتاريخى الذى نزلت به الآيات والسور، وهو الأمر الذى لا يمكن أن يدعيه أحد، مشيرا فى هذا الصدد إلى محاولة المستشرق الألمانى "ثيودور نولديكا" استجلاء ترتيب نزول الآيات، لأننا لا نعرف سوى ترتيب المصحف الحالى وهو غير مرتب زمنيًا، إذن إذا كان النسخ يعتمد على معرفتنا بالسابق واللاحق من الآيات وهو الأمر غير المعروف لدينا، فهو يقوم على أساس غير راسخ ما يهز ثقتنا بالمفهوم، ومن ثم يجب البحث عن أطر جديدة للتفكير تخرج من عجز الأطر القديمة التى لم تعد تقدم إجابات على أسئلتنا الكبرى. 

ويعطى مبروك مثالاً على ذلك بمحاولة د. محمود طه بالسودان الذى انتقل من مفهوم النسخ إلى مفهوم "المنسأ"، فهو يقرأ كلمة "نُنسها" فى الآية الكريمة {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا} (البقرة: 106) على أنها ننسئها بمعنى نرجئها، فهو يجادل بأنه لا يمكن الزعم بأن هناك رفعا للأحكام الفقهية، ولكن هناك إرجاء لتفعيل تلك الأحكام، لأن العصر حين نزولها لم يكن يقبل باشتغال تلك الأحكام فأرجئ العمل بها إلى أن يأتى زمانها. 

ويؤكد مبروك أنه لا يريد أن يأخذ بأفكار محمود طه، فهى أيضاً تنطوى على مشكلات ولكن الفكرة أن تلك المحاولة فتحت الباب أمام إمكانيات أخرى للتفكير بعلاقات جديدة مع النصوص والأصول المقدسة تبتعد عن العلاقة القديمة التى أسسها معاوية وعمر بن العاص والتى تستخدم القرآن كسلطة وتستثمره سياسياً. 

ويقول مبروك إن مشكلتنا هى أننا أخذنا من تلك العلاقة مع القرآن نموذجاً، فأفقرت القرآن وأفقرتنا، بدلاً من أن نتعامل مع القرآن كساحة للفهم والتفاعل بين الإنسان والله وهى العلاقة التى عبر عنها الإمام على (رضى الله عنه)، والسؤال المطروح الآن أى علاقة نريد تأسيسها مع النصوص علاقة السلطة أم علاقة التفاعل والحوار. 

ومن جهة أخرى شدد مبروك على أهمية استقلالية المثقف الذى قال إنه تقع عليه مهمة كبيرة الآن لبناء العقل النقدى، ولكنه أوضح أن الاستقلالية لا تعنى أنه غير منخرط فى العملية السياسية، ولكن تعنى أن خطابه يستمد قوته من داخله ومن تماسكه وقوة حجته. 

وعن المهمة الثقيلة التى على تقع على المثقف الآن قال مبروك إن المهمة ليست السجال والتناطح بين المثقفين، ولكن مناقشة الخطابات بشكل معرفى كما حاول أن يفعل فى مقاله الأخير بـصحيفة "الأهرام" حين ناقش فكر الإخوان، وحاول الكشف عما يقف وراءه من حجج، مؤكدا أنه بهذه الطريقة نستطيع أن نزود الناس ومن قبلهم المثقفين بالحجج القوية التى يستعملونها فى الرد على الخطابات التى تواجههم بأفكار قد لا يقبلونها، ولكنهم لا يملكون الحجة المضادة لها. 

ومن هنا يضع مبروك النقطة الأساسية التى ألح عليها كثيرًا فى الحوار وهى ضرورة الوصول إلى النخبة المثقفة قبل الوصول إلى الجمهور، فتغيير وعى النخبة هو الأهم بالنسبة له فى تلك المرحلة من خلال تزويد النخبة بالزاد المعرفى الذى يمكنهم من الوقوف أمام التحديات الكبرى التى يحملها خطاب كل منهم فى مواجهة أسئلة كبيرة. 

وقال مبروك إن مشكلة المؤسسات الثقافية الرسمية أنها كانت تعتمد طوال الوقت على الشللية التى هى استعادة لمنطق القبلية الذى يعيش به العرب طول الوقت، مضيفا أنه من المستحيل أن تكون تلك الشهور القليلة قد غيرت من منطق تفكير المثقفين والمؤسسات، ولكن على تلك المؤسسات أن تتغير وتتجاوز منطق الشللية الذى ظل سائداً طوال المرحلة السابقة، وضرورة انفتاح تلك المؤسسات على حوار حقيقى مفتوح تمثل فيه تلك المؤسسات ساحات تلاق للمثقفين بما يتيح إنتاج شروط نهضة جديدة تعيشها مصر بالفعل الآن.

تم النشر في جريدة الأهرام بتاريخ 20 يونيـــــو 2011
بقلم / محمد سعد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق