الاثنين، يوليو 18، 2011

قراءة في أزمة النخبة الفكرية المصرية بعد الثورة (2-3)



في الجزء الأول من الحوار، تحدث د. علي مبروك عن الخطاب النخبوي المصري - عبر توجهات النخب المختلفة – واصفا إياه بالضحالة البالغة في علاقته بالمفاهيم التي تحتاجها مصر في اللحظة الراهنة.
ورأى أن التوجه الإسلامي يخلط الشريعة بالمدونة الفقهية. كما رأى التيار العلماني يعتبر الدين عدو للدولة المدنية بإطلاق من دون التفريق بين الدين كدين وبين الدين كدوجما تعمل على تحويل الاجتهاد الفقهي لمطلق رباني.
وفي هذا الجزء، يتحدث عن مفهوم المواطنة ويقيم الأطروحات التجديدية فيه؛ والتي اعتبرها تقدم إشكالية جديدة. ويطور رؤية لمصدر إشكال الوضع الراهن في الحالة الإسلامية تتعلق بالفكر الاجتهادي الإسلامي المعاصر وطبيعة الثورة التي يقدمها على الإسلام التاريخي بدون تقديم قراءة في النصوص.
وإليكم نص الجزء الثاني من الحوار:
** في سياق نقدك لوضع غير المسلمين في التصورات الإسلامية؛ كيف تقييم أطروحات المواطنة التي طور تكييفها القانوني الدكتور محمد سليم العوا والتي قال فيها أن مفهوم الذمة بصورة تاريخية كانت مرتبطة بطبيعة إمبراطورية، وأنه بطبيعة التطور التاريخي آل الأمر إلى الدولة القومية التي أعادت النظر في تقييم الشركاء في بناء مفهوم الدولة القومية، والذي تساوى فيه الجميع ومن ثم كان مفهوم المواطنة هو المفهوم المقابل لتساوي الجميع في إنشاء الدولة والنضال لأجلها؟
د. علي مبروك:
 قديما كان هناك وضعية قانونية لغير المسلم مغايرة للوضعية القانونية للمسلم في نفس الموقف – تاريخيا وليس شرعيا. فعندما يقال أن وضع الدولة القومية الحديثة يفرض منظور آخر للنظر لوضع غير المسلم مغاير باعتبار أن كلنا شركاء؛ فأنا أتصور بأن الأمر في حاجة أيضا إلى التعامل مع الموقف القديم، أنا معك في إن التاريخ لعب دورا مهما في توجيه النصوص، لكن يظل هناك أيضا حد أدنى من النصوص التي تتحدث عن دفع الجزية وما إلى ذلك، فكيف سنتعامل معها؟
كل الأمور تردنا في النهاية للأصول. لذا من المهم أن نعرف كيف نتعامل مع هذه الأصول؛ إذ أنه لا يكفي التعامل مع الإسلام التاريخي فقط.

** مفهوم المواطنة بحكم تكييفه وبنائه يبدو مفهوما نسبيا، مبني على قراءة الأصول. وهكذا تعامل معه الدكتور محمد سليم العوا. ولعلك تذكر تصريح الراحل مصطفى مشهور في عام 1997 عندما قال أن غير المسلمين يدفعون الجزية لأنهم لا يدخلون الجيش! فإذا ما تحدثنا عن التساوي في المراكز القانونية، وفي الحقوق والواجبات، وفي طريقة النظر إلى جميع الأطراف بدون وجه تمييز فيما بينهم؛ فإن هذه الحالة تدفع بصورة آلية نحو اعتبار كامل للتساوي في المراكز القانونية بين المختلفين. ما رأيك؟
د. علي مبروك:
 أنت تتحدث عن وضع قديم. أنا أقول إن ما فعله الدكتور العوا عن مسالة الجزية والذمة هو نقد ميراث تاريخي ومرتبط بأوضاع تاريخية معينة، ويمكن التعامل معه ضمن أفق الإسلام التاريخي، وبالتالي فتغير الأوضاع واختلافها والانتقال من الدولة بشكلها القديم إلى دولة أخرى يعني ذهاب علة الحكم القديم، وأصبحنا في إطار وضع جديد يفتح الباب أمام أحكام جديدة مختلفة. أنا أرى أن مشكلة هذا الطرح إنه يتجنب طوال الوقت التعامل مع الإسلام النصي. فالإسلام النصي لا بد أن يُقرأ أيضا. ولكن المشكلة أن ثقل الإسلام التاريخي خلق بنيات وعي وبنيات ذهنية، ورتب ما يبدو وكأنه أوضاع ومراكز قانونية ثابتة لا تتزحزح، ولا أظن أنه حتى في إطار الدولة الحديثة تساوت المراكز القانونية.
لكن الوضع القديم مستند على قراءة ما وتوجيه ما للنصوص. ونحن بإزاء وضع جديد، وهو يحتاج أيضا هذا التوجيه وهذه القراءة للنصوص. ولكن أنا أخشى أن الاجتهاد الذي يتم تقديمه ويتم طرحه الآن فيما يتعلق بالآليات الجديدة والطرائق الجدية في التعامل مع النصوص ليس على المستوى المطلوب.

** القضية في التعامل مع النص ليست فقط استنطاق للنص. فمبدأ الاستحسان ذلك المبدأ الفقهي الذي استنبطه الإمام أبو حنيفة من قلب الشريعة، هذا المبدأ هو نوع من أنواع العدول بمسألة ما من المسائل الفقهية عن حكم نظائرها في الشريعة الإسلامية إلى حكم آخر لوجود وجه يقتضي هذا العدول. أنا أتصور أنه إذا ما صعدنا إلى درجة أعلى من درجات النضج للكليات الموجودة في بنية الأصول المتاحة لدينا، لن يصبح هذا الاجتهاد من باب التملص من الرؤية التاريخية وتجنب البحث في الأصول إلى حد كبير، فهناك مجموعة من المبادئ الكلية القوية التي أدت إلى حدوث توافق عام حول ماهية الإسلام وكلياته، بما يعني إنه في هذا الإطار الأحكام صغيرة التي تنظم الأوضاع عرضة للتغيير؟
د. علي مبروك:
 ما أمسكت أنت به الآن هو قلب المشكلة، وهو التمييز بين أن هناك كليات وهناك أحكام صغيرة. وهذا هو المدخل المهم لتقديم اجتهاد حقيقي وجدي. ولكن السؤال يظل كيف ترتب العلاقة بين الكلي والجزئي؟ المنظومة القديمة قامت على اعتبار كبير للجزئي وأحيانا انتقاص للكلي. وهذه مسألة تشير إلى آية أسسوا عليها موضوع التعارف الحضاري وهي آية: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" (الحجرات: 13)، وأنا أحب أن أشير في هذا الحوار إلى تفسير ابن كثير لهذه الآية فعندما قرأت تفسير ابن كثير لهذه الآية أنا شخصيا أدركت إدراكا هاما جدا يتمثل في ماذا؟
ابن كثير يرى هذه مرتبطة بالآية التي تسبقها الآية "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم..." (الحجرات: 12)، فيقول إن الآية تشير إلى مفهوم التسوية بين البشر، وهذا المبدأ الذي يشير إليه ابن كثير اعتمد عليه علماء في الاعتراض على مبدأ الكفاءة في النكاح؛ لأن مبدأ اشتراط الكفاءة في النكاح يعني أن البشر ليسوا سواسية: أي أن هناك تراتبية اجتماعية تسمح لولي المرأة أحيانا أن يتجه إلى القاضي طالبا فسخ العقد لأن الزواج قائم على عدم الكفاءة، لكن هناك أدلة كثيرة بسطها علماء في كتب الفقه من مصادر أخرى على ضرورة الكفاءة في النكاح، وهنا تجد نفسك مباشرة بإزاء مثال نموذجي على ما نتحدث فيه، وكيف أن القيمة الكلية: قيمة المساواة بين البشر يتم إهدارها من خلال قاعدة قانونية جزئية يمكن أن يحكم بها القاضي.
هذه هي المشكلة في الحقيقة. هل المسلمون في الوضع الراهن الحالي قادرون على إنهم يواجهوا هذا السؤال؟ أم سيظل هناك ثقل كبير للمنظومة الفقهية؟ وهو ثقل لا تستمده من قوتها المعرفية، وإنما تستمده من توظيفها الإيديولوجي؛ مما يترتب عليه خلق وضعيات قانونية، وخلق امتيازات معينة لأطراف بعينهم. هل المسلمون مستعدون الآن لمواجهة هذا السؤال؟ هذا هو ما أعنيه. وهذا هو التحدي الذي يواجهه المسلمون الآن.

** لكن لو نظرنا في هذا الإطار للمدارس الفقهية المعاصرة مثلما نجد العوا ومحمد كمال إمام في جانب نجد غيرهم كثيرون في جانب آخر، ومثلما نجد مثلا في جماعة الإخوان المسلمين محمد جمال حشمت وعبد المنعم أبو الفتوح في جانب ونجد محمد مرسي وعصام العريان في جانب آخر.. وهذه الاجتهادات أظنك تعلمها.. ولا تكاد تجد من يتحاور معها بصورة قوية.
د. علي مبروك:
 لكني أخشى أن هذه الخلافات التي تشير إليها هي خلافات فروع ليست أصول.

** لا أظن إن ثمة خلافات في الأصول داخل هذه المدارس، الخلافات في الأصول في مذاهب كلية مثل السنة والشيعة إذا كانوا أضافوا أصل الإمامة أو غيره. لكن لا خلاف في الأصول داخل المذهب الواحد.
د. علي مبروك:
 أنا لا أقصد الخلاف بهذا المعنى، ولكني قلت إني استعير اللغة القديمة: بمعني أنها ليست خلافات في كليات كبيرة تبعد الأطراف المختلفة كل منها عن الآخر.
طالما أننا نتحدث عن حالة مدنية الدولة، فالقصد في هذا الإطار أنه إذا كان هناك ظرف تاريخي معين أدى إلى حيازة اجتهاد ما قبول مجموعة من الناس لسبب أو لآخر، فأنا أظن إن تغير هذا الظرف التاريخي يقتضي تقديم قراءة جديدة في الأصول. وهذا ينطبق على الحالة الفقهية المعاصرة بقدر ما انطبق أو ما دون تاريخيا عن عدول الشافعي عن بعض الأحكام الفرعية، ولكن يظل تشكيل الشافعي للأصول هو نفسه، ولم يختلف في طرقه في الاستدلال ومواقفه من المسائل الكبيرة في الشريعة، فهذه لم تتغير.

** كيف ترى التيارات الفكرية التجديدية الجديدة مثل أون إسلام ويقظة، ودورها في إطار المراجعة؟ والتي بلغت في ثورتها على الأطروحات المتكلسة ثورة تنظيمية أيضا.. ولهذا تجد يقظة فكر خرجت من عباءة الإخوان تجد شباب الإخوان خرجوا من عباءة الإخوان تجد عبد المنعم أبو الفتوح ومدرسته وقد خرجوا؟
د. علي مبروك:
أنا أرى أن هذه مؤشرات كلها جيدة وطيبة، ولا بد من دعمها؛ لكن لا بد أن يكون الهدف أيضا محدد؛ لأننا سنصل في وقت ما إلى السؤال الكبير أو إلى أسئلة كبيرة، وعلينا أن نكون مستعدين للتعاطي والتعامل معها.

تم النشر في موقع أون اسلام بتاريخ 18 يوليـــــــــــــو 2011
حــــــــوار / وسام فـــؤاد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق