السبت، مارس 19، 2011

حوار الدكتور علي مبروك مع جريدة الأهرام عن مفهوم الدولة المدنية

علي مبروك:  

 أخشي أن يتحول مفهوم الدول المدنية إلي شعار سطحي للمرحلة


يسود المناخ المصري الآن نوع من
(الجوبلزية ـ نسبة الي جوبلز) وزير الدعاية أيام هتلر
 فكلما تحدث شخص عن أفكار أو تعرض بالتحليل للثورة المصرية بشكل نقدي تحسس الآخرون مسدساتهم أو عدتهم الفكرية
وكأن الثورة فعل لابد أن يتحقق بمعزل عن أي فكر أو معرفة نقدية،
 وهذا مكمن خطر كبير كما يري
الدكتور علي مبروك استاذ الفلسفة بجامعة القاهرة،
فإفتقار الثورة للخطاب المعرفي أو للفكرة التي توجهها يخاطر بإعادة إنتاج ماثار الناس عليه.
هذا ما قاله مبروك في الندوة التي دعا إليها ملتقي "دروب" الفكري
 يوم الأحد الماضي للحديث عن الثورة والتنوير.
 وأكد علي مبروك أننا ظللنا داخل مشروع نهضة لبناء الدولة الحديثة بدأ مع محمد علي واستمر حياً حتي الآن...
وظل يتجسد في دول كثيرة في العالم العربي عبر نماذج عديدة
مثل الخديوي إسماعيل وجمال عبدالناصر وصدام حسين وحسني مبارك
 والسمة الأساسية لمشروع الدولة العربية الحديثة منذ نشأته مع محمد علي
هو بناء دولة القوة وهذه الاستراتيجية في بناء القوة جعلت الدولة الحديثة
دولة شمولية تسلطت علي المجتمع بشكل كامل وأوقعته في قبضتها
وأصبح مشروع الحداثة العربية لعبة يتقاذفها الجنرال تارة والباشا تارة أخري ويستبعد منها المجتمع.
وفي سبيل بناء تلك الدولة التي استوردناها من الغرب كانت الاستراتيجية هي التمييز في الحداثة بين جانب شكلي يتمثل في الممارسات الحديثة كتكوين الأحزاب والدساتير وإنشاء البرلمانات ومنظمات المجتمع المدني
وبين مضمون نظري يمثل القيم الأساسية التي قامت عليها الدولة الحديثة في الغرب فظلت مؤسسات الدولة الحديثة تعمل بشكل صوري
 فنحن ننقل التقنية دون الفكرة فلا البرلمانات ولا الأحزاب أثرت في السلطة المطلقة للحاكم.
خطاب الدولة العربية التي يزعم أنها حديثة خطاب مأزوم
إذ تنتهي كل الدول التي تجسده دائما بأزمة
 فكما انتهت دولة محمد علي بأزمة انتهت دولة صدام حسين ومبارك وغيرهما، فمشروع هذه الدولة لايملك الأدوات للتطور والبقاء فهو خطاب راكد.
ويتابع قائلا أنه قد أدرك أن دولة مبارك قد بلغت نهايتها حين احترق مبني مجلس الشوري فإذا كان المبني قد انهار فقد اقترب انهيار المعني ايضا.

مبروك شدد على :
"إن تأمل خطاب النخبة المصرية علي مدار قرنين من الزمان يكشف عن جموده وتحجره فنفس الأسئلة التي طرحها الطهطاوي وخير الدين التونسي خرجت بإجابة واحدة وهي ضرورة تطبيق الديمقراطية والتنظيمات السياسية الغربية".
ولكن بعد قرنين نجد أن عبدالوهاب المسيري والسيد يسين مازالا يرددان نفس الأسئلة والإجابات،
وهذا يدل علي أن هذا الخطاب فشل في تقديم حل فاعل للأزمة المصرية، فالدولة العربية الحديثة مازالت تعيد إنتاج دولة ما قبل الحداثة العربية القائمة علي مفهوم القوم والغلبة والشوكة.

مبروك الذي اصدر قبل سنوات كتابه المهم "لعبة الحداثة بين الجنرال والباشا"
 يعتبر أن الحل يتمثل في:
 أن ننتقل الي خطاب معرفي آخر تنتقل فيه الدولة من دولة القوة الي دولة الحق، فالخطاب القديم الذي تكون فيه الدولة الوصي الذي يحق له فرض رؤاه علي المجتمع باعتباره قاصرا وجاهلا قد وصل إلي نهايته ويجب أن ينتهي الآن خطاب الدولة ويبدأ خطاب المجتمع.
خطاب المجتمع في رأيه يبدأ بأن ننصت إلي أسئلة المجتمع
وأن نتوقف عن فرض رؤانا عليه
لأننا بهذا الفرض نفشل في أن نفهم الواقع والعناصر التي تشكله
فأول خطوة في طريق ايجاد الاجابات الصحيحة لأسئلتنا
هي الخروج من منطق الإجابات الجاهزة الي منطق الحوار والإنصات للآخر في ظرف أعطانا إمكانية للحوار.

يري مبروك أن التحدي الأكبر الذي يواجه المشتغلين بالمعرفة اليوم هو:
 الإنتقال من المعالجة السياسية للمفاهيم الي المعالجة الثقافية،
 فالمعالجة السياسية لمفاهيم الديمقراطية والدولة المدنية أفقرت تلك المفاهيم وأبرزت جوانبها الإجرائية دون مضمونها المعرفي،
اليوم يتحدث الكل عن مفهم الدولة المدنية وتصورهم عنها سطحي للغاية فالبعض يعتقد أن الدولة المدنية تتحقق بأن يتولي الحكم من لم يلبس "عمة أو باريه"
 ـ في إشارة الي رجال الدين والعسكر ـ
 وأخشي أن هذه المعالجة السياسية السطحية لمفهوم الدولة المدنية ستحوله إلي شعار سطحي للمرحلة.

وفي الحوار مع شباب المتلقي نوه مبروك :
بأن هناك إلحاحاً علي وضع الفكر المدني في تعارض مع الدين
 وهو وضع يغفل فيه الناس عن أنه لاتوجد دولة ليست مدنية،
فالدولة هي نتاج الإجتماع المدني بين البشر
 وتقوم الدولة لتنظيم هذه الاجتماع ولتحقيق الانتقال من منطق القوة الي منطق الحق،
الدين هو احد طرق الوصول للحق وتنظيمه ولكنه ليس الطريق الأوحد،
 ومناقشة عقلية للمفاهيم تقول بأن المدني هو القاعدة وليس الديني
 ويضيف أن مناقشة المفاهيم يمكن أن تجنبنا دماء كثيرة ولكن تحويل المفاهيم إلي أوثان لن يؤدي إلي شيء.

وتعجب مبروك من:
ان التيار العلماني الآن هو من يبدي تطرفاً في مواجهة التيار الديني الذي يبدي استعداداً لقبول الدولة المدنية،
وقال ان الخوف من التيار الديني ورفضه ليس هو الحل ولكن الحل هو حوار يخرج هذا التيار من قوقعته ويجره إلي أرض جديدة تمكنه من فحص أفكاره وتصوراته تحت مظلمة أخري مختلفة.

واستبعد مبروك تطبيق تجربة تركيا الآن قائلا:
إن تركيا وراءها 75 عاما من العلمانية التي مكنتها من الوصول لهذا النموذج بينما مصر مازالت ترزح تحت ثلاثين عاماً من الإنشغال باللحية والجلباب.

وأكد إمكانية عبور الفجوة ين المثقفين والجمهور قائلا :
أن هذه الفجوة صنعتها أجهزة الإعلام التي عملت علي تجهيل هذا الشعب فالمصريون لديهم جوع للمعرفة وقد لمست هذا بميدان التحرير في حواراتي مع الناس هناك، ووجدت من بين من لا اهتمام لديهم بالفلسفة مطلقاً شغفاً بمحاولة معرفة ما الذي يمكن أن تقوله الفلسفة في حدث كهذا.


تم النشر بجريدة الأهرام بتاريخ 19 مــــــــــارس 2011
بقلم / مــحمــد ســعــــــــــــد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق