الخميس، يوليو 07، 2011

في ضرورة علاقة جديدة مع القرآن


سوف يجد الجميع‏,‏ في مصر‏(‏ من إسلاميين وليبراليين ويساريين وغيرهم‏)‏ أنفسهم‏,‏ في مواجهة حقيقية أن الأنظمة الفكرية التي لطالما التمسوا منها إجاباتهم علي ما يطرحه عليهم واقعهم من أسئلة‏,‏ لم تعد قادرة علي تقديم اجابات غير مكرورة علي أسئلة اللحظة الراهنة‏.‏.. ومن هنا ما سوف يضطر إليه الكافة, في مصر ما بعد مبارك, من لزوم التفكير خارج حدود الأنظمة والأنساق المعرفية التي استقرت علي مدي قرون.

فإذ سيجد الداعي الي الحل الليبرالي نفسه في مواجهة السؤال:

 لماذا أخفقت وصفته الليبرالية ـ التي تلح علي ضرورة تقييد السلطة بالمؤسسة والتنظيمات البرلمانية والحزبية ـ في إخراج مصر من أزمتها, رغم بدء تعاطي هذه الوصفة العلاجية مع ابتداء النصف الثاني من القرن التاسع عشر؟,
 فإن الداعي الي الحل الإسلامي سوف يجد نفسه, بدوره, في مواجهة حقيقية أن المنظومة الفقهية المتوارثة عن السلف, لن تكون قادرة علي مواجهة تحديات ما بعد الخروج من المواقع الذي كان فيه الإسلاميون مجرد معارضين لأنظمة حكم فاسدة
- وعلي النحو الذي كان يكفيهم فيه أن يرفعوا راية تقوي السلف في مواجهة فساد الحكم, فيحتشد الناس خلفهم -,
الي مواقع السلطة التي عليها أن تجد حلولاً ناجزة لمشكلات بالغة التعقيد والتركيب, وهي مشكلات لا يمكن توقع العثور علي إجابات جاهزة لها عند السلف, الذين كانوا يعيشون في اطار نظام للعالم يختلف بالكلية عن ذلك الذي يعيش فيه المسلمون اليوم.

فقد كان العالم قبل انبثاق عصر الحداثة - الذي لا يمكن حتي لمن يرفضه أن ينفلت من تحديداته - ,
أدني ما يكون الي مجموعة وحدات حضارية تنغلق كل واحدة منها علي نفسها, وتستطيع لذلك أن تعيش بحسب قانونها الخاص, وهكذا عاش السلف إسلامهم بحسب ما يسمح به نظام هذا العالم البسيط, وأما اليوم, فإن العالم قد انفتح علي بعضه, علي النحو الذي أدي الي تبلور قيم سياسية وحقوقية تقوم علي حراستها مؤسسات عالمية لا يقدر أحد علي أن يضع نفسه خارج فاعلية تقريراتها الملزمة.

 وهنا ينبثق السؤال:
 هل يمكن للمسلم الراهن أن يعيش ضمن ظاهرة هذا العالم المنفتح والمعقد, في آن معا, بما ينتمي الي نظام عالم بسيط كان بمقدور كل تشكيل حضاري فيه أن ينغلق علي نفسه؟
لابد من الوعي بأن فاعلية ما أنتجه وفكر فيه السلف تقف عند حدود عالمهم ولسوف يكون من الظلم وعدم الإنصاف استدعاء هذا الذي أنتجوه وفكروا فيه للاشتغال في اطار اللحظة الراهنة, لما يؤول اليه ذلك من اظهار قصورها وعدم نجاعتها. وهنا يظهر واضحا أنه لا شيء يؤدي الي نسبة القصور الي ما أنتجه السلف إلا ما يمكن نسبته الي مسلمي هذه الأيام من الكسل والقصور العقلي الذي يجعلهم يستسهلون حلول السلف الجاهزة, بدلا من التفكير في ابداع حلول خلاقة لمشكلات واقعهم.

والحق أن المسلم المعاصر لن يكون قادراً علي العيش في انسجام مع عصره, فاعلاً فيه ومساهماً في تشكيله وتحديد صورته, ما لم يعد النظر في طبيعة علاقته, لا مع السلف فقط, بل ـ وهو الأهم ـ مع مصادر الإسلام الكبري, وعلي رأسها القرآن.
                 
    لابد, إذن, من إعادة النظر في علاقة الخضوع غير المسئولة من جانب المسلمين لأنظمة الفكر والمعرفة المتوارثة عن أسلافهم, ومنها المنظومة الفقهية بالطبع, ليس فقط لأن هذه المنظومة تعكس نوع وطبيعة علاقات القوة السائدة اجتماعياً وتاريخياً علي النحو الذي راح يضعها في تناقض مع الروح القرآني في بعض الأحيان, وذلك بحسب ما لاحظ البعض من المفسرين القدماء( كإبن كثير), بل ولأن تلك المنظومة ـ وهو الأهم ـ تنبني علي نمط من العلاقة مع القرآن يحتاج الي مراجعة بسبب ما تنتهي اليه تلك العلاقة من إفقار القرآن والوعي معا.

تم النشر في جريدة الأهرام بتاريخ 7 / يوليو /2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق