السبت، مارس 03، 2012

‮ عن "‬ثــورات العرب‮"


حكايــــــة الحداثـــة الشـــكلية

كتب / وائل فتحي 



تاريخ جلب الحداثة أو قطف الثمرة،‮ ‬
هذا أول استنتاج سيصل له القارئ عند قراءة‮
 "‬ثورات العرب‮..‬خطاب التأسيس‮"
 ‬للدكتور علي مبروك‮.‬
‮ ‬كيف حاولنا جلب الحداثة لوادينا الطيب منذ اعتلاء محمد علي ولاية مصر،‮ ‬وحتي الآن!؟‮ ‬
هذا هو سؤال الكتاب‮.‬

بداية‮ ‬يطرح المؤلف مناقشة حول مشروع الحداثة التركية،‮
 ‬ذلك الذي خاضه كمال أتاتورك ضد الدين،‮
 ‬معتبرا أن هذا الطرح خاطئ،‮ ‬
مثلما كان الطرح الخاص بالدولة الحديثة لمحمد علي باشتراط الحداثة بما‮ ‬يتفق مع التراث كذلك،‮ ‬حيث استمرت هيمنة خطاب القوة في التجربتين،‮
‬لهذا‮ ‬يقدم الأستاذ المساعد بقسم الفلسفة بجامعة القاهرة للقارئ نصيحة مفداها
أن السبيل الوحيد للتحرر في بلاد العرب‮ ‬يكمن في :
التخلي عن خطاب القوة مقابل خطاب المعرفة‮..‬هكذا تستقيم الحداثة‮.
‬ولنتأمل سويا هذا التصور‮: ‬

الدولة‮ 
كيف جلبت الحداثة المشروطة بــ"تخليص‮" ‬رفاعة‮ ‬رافع الطهطاوي،‮
وما الموانع التي منعت النقل الكامل؟
 مثلاً‮ ‬ينقل أول ناقل للحداثة الأوروبية‮ ‬الطهطاوي‮
‬في تلخيصه لهذه الحداثة فيما‮ ‬يخص توزيع وتقسيم السلطات‮
"‬إن ملك فرنسا ليس مطلق التصرف،‮ ‬وإن السياسة الفرنساوية هي قانون مقيد‮"
(‬كما جاء في الكتاب العُمدة: تخليص الأبريز في تلخيص بايز‮)‬،‮
 ‬ولكن الطهطاوي ما‮ ‬يلبس أن‮ ‬يتناسي تماماً عقد مقارنة بين ملك في فرنسا وباشا في مصر،‮ ‬ليورد المقارنة بشكل‮ ‬يدمر تماماً حس المقارنة حينما‮ ‬يتكلم عن الدولة المصرية،‮ ‬في الكتاب نفسه،‮
 ‬حيث‮ ‬يكتب عنها وفقاً لقاموس‮ "‬السياسة الشرعية‮" ‬حيث‮ ‬يري،‮
‬فيما‮ ‬يخص الدولة المصرية الجديدة‮
"‬إن للملوك في ممالكهم حقوقا تسمي بالمزايا،‮ ‬وعليهم واجبات في حق الراعايا‮. ‬
فمن مزايا الملك أنه خليفة الله في أرضه،‮ ‬وأن حسابه علي ربه،‮
‬فليس عليه في فعله مسئولية لأحد من رعاياه،‮ ‬وإنما‮ ‬يذكر للحكم والحكمة من طرف أرباب الشرعيات أو السياسات برفق ولين،‮ ‬
لإخطاره بما عسي أن‮ ‬يكون قد‮ ‬غفل عنه،‮ ‬مع حسن الظن به‮"..‬
هكذا‮ ‬ينتهي رفاعة إلي أن مصدر سلطة الباشا ليس الأمة،‮ ‬وإنما الله،‮
 ‬والذي‮ ‬يلح الطهطاوي طوال‮ »‬تخليصه‮« ‬
أن الله سبحانه وتعالي هو الذي ولاه حكم مصر،‮
 ‬وذلك‮ ‬يتعارض مع الواقع التاريخي الذي‮ ‬يقطع بأن تولية الباشا كانت من جماهير الشعب ونخبته التي استمسكت به في مواجهة الإرادة السلطانية العلوية،‮
 ‬كل هذا‮ ‬يكشف،‮ ‬حسبما‮ ‬يري الباحث ومؤلف الكتاب،‮ ‬
عن أزمة مثقف‮ ‬يجد نفسه مضطرا لأن‮ ‬يكون بوقاً لسلطة القوة علي حساب سلطة الحقيقة‮. ‬لنتقدم بالزمن سريعاً،‮ ‬لنجد إنعكاسا لهذه الفكرة في وقتنا الراهن،‮ ‬
حيث أعاد إنتاج أنصار‮ "‬مبارك‮" ‬هذه الفكرة،‮
‬حيث رفع أحد المؤيدين لافتة كتب عليها‮: ‬
من اختاره الله لا‮ ‬يسقطه الخونة والعملاء‮!‬
لكل هذا فالكتاب‮ ‬يعد تأريخاً‮ ‬لفكرة صراع بين قوتين‮:
السلطة،‮ ‬والمعرفة،‮
 ‬رغم ذلك لا‮ ‬يعكس الكتاب صراعا بين القوة والقوة الناعمة،‮ ‬مثلاً،‮
 ‬بل‮ ‬يسجل تاريخاً من سطوة الأولي وقلة حيلة الثانية‮.‬
‮ ‬كان مشروع النهضة قائماً علي دعم القوة،‮
‬بمعني أن نأخذ من الحداثة ما‮ ‬يجعلنا أقوياء،‮ ‬أن تكون الدولة صلبة،‮
‬دون أن ننقل تجارب الحداثة،‮ ‬رفاعة الطهطاوي كانت له عبارة‮ ‬اعتراف أن مشروع النهضة كان‮ ‬يهدف لقطف الثمرة،‮
‬وليس لتقليب التربة‮.‬
الثمرة هي ثمرة الحداثة،‮ ‬ليس هذا أوان الحديث عن رفاعة ومشروعه المعرفي،‮
‬لكن الإشارة تكشف للقارئ ملامح خطاب التأسيس العربي أي‮
"‬ثورات العرب‮..‬خطاب التأسيس‮"‬،‮
 ‬حيث‮ ‬يري الباحث أن ثورات العرب كانت مجرد مدخل
ليعود مبروك إلي نشأة مشروع النهضة العربي،‮
 ‬أي مشروع الدولة الحديثة،‮ ‬لهذا‮ ‬يتجول بين النشأة المعرفية التي أرساها رفاعة الطهطاوي‮. ‬
يكشف الكتاب أن مشروع النهضة العربي كان قائماً علي استجلاب مظاهرة القوة فقط،‮ ‬ومظاهر الحداثة أيضاً،‮ ‬
بينما كان عماد الدولة التي أسسها محمد علي الجيش،‮
‬إلا أن بقية المظاهر لم تهدف لتأسيس دولة قوية،‮ ‬بل أن تبدو دولة قوية فحسب‮.‬
الجامعة
تعطيل متعمد للنهضة بسبب السياسة،‮
‬حينما‮ ‬كان الحضور للسياسي طاغياً علي حساب المعرفي،‮ ‬كان ذلك في نهايات القرن التاسع عشر،مما أسس لأزمة شاملة،‮ ‬فكان الحل المطروح هو الجامعة‮. ‬
خلال هذه الفترة لم تستطع جامعة الأزهر أن تلعب الدور الوسطي بين سيطرة
السلطة‮/ ‬القوة‮/ ‬الجيش،
‮ ‬ورغبة المجتمع في‮  ‬والتقدم بعد ذلك‮.
‬حيث انشغلت المؤسسة الأزهرية بالحداثة المشروطة باسم الحفاظ علي التراث،‮
 ‬حتي أن المؤلف‮ ‬يتوقف عند تجربة تأسيس كلية دار العلوم،‮
 ‬لتعيد إنتاج خلطة تناسب مجتمعنا بين الدين والعلم،‮ ‬لكنها لم تحقق شيئا حسب استشهاد الكتاب برأي دكتور طه حسين‮.‬
لكن كل‮  ‬ذلك لم‮ ‬يعنِ‮ ‬نهاية دور مؤسسة القوة الصلبة،‮
‬بل استمرت الغلبة لها،‮ ‬وكان تغليب السياسي،‮ ‬علي المعرفي،‮ ‬أمراً مستمراً.‬

لنترك النشأة،‮
‬وننتقل لتأسيس خطاب المعرفة،‮
‬وبالتحديد النقد المعرفي حيث‮ ‬يتوقف الباحث عند جدل ولدته الأفكار النقدية
 بين عابد الجابري وجورج طرابيشي،‮
 ‬يتوقف‮ "‬الفيلسوف‮" ‬المغربي الراحل و"المفكر‮" ‬واللبناني عند مفهوم الأصالة بين الشرق والغرب العربيين،‮ ‬بينما‮ ‬يشيد الجابري بالمشروع النهضوي المغاربي،‮ ‬
الذي صنعه العقل المغاربي الذي‮ ‬يتسم بتفكير منطقي‮ ‬يبحث عن البرهان،‮
‬كنتاج لتأثره بالمعرفة الإغريقية،‮
 ‬بينما‮ ‬يحصر الجابري-أيضا‮- ‬العقل الشرقيّ‮ ‬في دور العقل الصوفي البياني،‮
 ‬في حين أن جورج طرابيشي‮ ‬يعيد أصول المعرفة اليونانية للحضارة الفينيقية،‮
 ‬هكذا‮ ‬يكشف لنا الباحث أن النقد المعرفي قد ارتد بالعرب إلي الماضي السحيق
أي إلي التفاخر بالقبائل،‮
‬بما‮ ‬يستتبع ذلك بجدارة الأكثر أصالة،‮ ‬من أصحاب التصورين،‮ ‬بالإمساك بمقاليد السلطة والقيادة‮!‬
هنا‮ ‬يمكننا القول أن وظيفة النقد لم تعد تحرير الأفهام،‮ ‬
بقدر ما باتت تثبيت الأوهام‮..‬أوهام الأصالة،‮ ‬وجدارة الصدارة والقيادة،‮
‬وبالطبع لن‮ ‬يستطيع النقد إنتاج معرفة بالواقع،‮
‬لهذا‮ ‬يكتب د.مبروك‮:
"‬أعني من حيث لم‮ ‬يتجاوز الأمر حدود استبدال أصالة بأصالة ومركز بآخر،‮ ‬
وعلي نحو‮ ‬يكشف عن هيمنة منطق الإبدال والإحلال
الذي هيمن علي مجمل ما ساد فضاء الخطاب العربي
 من الاختزال الأيديولوجي للواقع‮."

تم النشر في أخبار الأدب بتاريخ 3 مـــــــــارس 2012‬


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق