الاثنين، أبريل 09، 2012

النخبة المصرية ليست على مستوى ثورة يناير



يدافع أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة:
 د . علي مبروك،
 في كتاباته عن الإسلام الحضاري والدور التنويري للإسلام،
 وقد اتجه للبحث في التراث العربي الإسلامي الفلسفي والكلامي للتحرر من سطوة الخطابات القديمة وامتداداتها الحديثة،
 لبناء دولة الحق التي ترنو إليها الشعوب في الوطن العربي .
من مؤلفاته: “النبوة من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ”،
 “عن الإمامة والسياسة”،
 “الخطاب التاريخي في علم العقائد”،
 “لعبة الحداثة بين الجنرال والباشا”،
“الخطاب السياسي الأشعري”، “نحو رؤية مغايرة”،
 “ما وراء تأسيس الأصول”،
 “مساهمة في نزع أقنعة التقديس” . 

هنا حوار معه:

أصدرت مؤخراً كتاب “ثورات العرب . . خطاب التأسيس” ما أبرز ملامح هذا الخطاب؟
 قبل الحديث عن ملامح الخطاب التأسيسي لثورات الربيع العربي
 لابد أن نفهم أولاً لماذا قامت هذه الثورات!!
 الثورات المشتعلة في العالم العربي في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين،
 في تصوري موجهة ضد الدولة العربية القائمة “الحديثة”،
ولابد أن نفهم من أين جاءت هذه الدولة؟
هذه الدولة ابنة خطاب النهضة العربية، ورفض هذه الدولة هو رفض في جانب منه لخطاب النهضة والتحديث الذي استمر على مدى القرنين التاسع عشر والعشرين، ويبدو أن هذا الخطاب بلغ نهايته التعيسة،
 لأن وعود التقدم لم تنجز شيئاً في ظل غياب الديمقراطية وسيطرة الاستبداد،
وتعاني معظم البلدان العربية من أزمات اقتصادية حادة،
 كما أنها تعاني أزمات تفكير .
إذن هذه الثورات ليست ضد أنظمة سياسية، ولكنها قامت من أجل شيء أعمق وأكبر، فهي ثورات ضد خطاب تجسده هذه الدولة،
 والسمة البنيوية لهذه الدولة أنها دولة قمع، والقمع فيها بنيوي
وليس مجرد ممارسة سياسية فقط، وهي أكبر من السياسة،
لأن هذه الدولة كانت لديها قناعة منذ البداية بأنه لا سبيل لإجراء التحديث وإنتاجه في العالم العربي إلا من خلال فرضه بالقوة على المجتمع، لأن هذه الدولة على رأسها “جنرال أو باشا” .
ولم يكن التحديث عند الرواد الأوائل مشروطاً بالعقل،
لأن الشروط العقلية وِأهمها:
إنتاج العقل الذي هو أساس البنية الحضارية المتكاملة لم تكن متوافرة،
 حيث تأكد هؤلاء الرواد الأوائل أن شرط العقل للتحديث ليس متوافراً في العالم العربي، وجرى اعتماد القوة باعتبارها السبيل الوحيد لبناء التحديث .
 والقوة هنا هي قوة الدولة “دولة القمع البنيوي”،
 لأن القمع سمة بنيوية تأصلت في هذه الدولة .
 نحن نرنو إلى دولة الحق، وهذه الثورات العربية المندلعة في العديد من أقطار العالم العربي تطمح إلى بناء دولة الحق .
وأهم شرط فيها:
 أنه لابد أن يتحول المجتمع بأفراده من مجرد أدوات يستخدمها الحداثيون لفترة طويلة إلى ذوات تتسم بسمتين:
الوعي والإرادة،
 والأمر لا يتعلق بمجرد “وثائق دستورية وقانونية”،
 رغم أهميتها لكن إلى جانب ذلك لابد من تكريس مفهوم الفرد الواعي الحر،
مثلاً ثورة يناير أقصت الجمهور من الفعل وهمشته ونسبت الفضل إلى مواقع التواصل الاجتماعي “الفيس بوك”،
وهذا يمثل ممارسة إقصائية للجمهور باعتباره فاعلاً حقيقياً،
 كما تم الترويج قديماً إلى أن محمد علي هو مؤسس مصر الحديثة،
وتناسينا دور المجتمع المصري في هذا التحديث،
إذن لابد من صياغة خطاب تأسيسي يتحول معه المجتمع من فاعل مجازي إلى فاعل حقيقي أصيل .

 لكن الجمهور العربي ليس كتلة واحدة صماء متحدة الرأي، بدليل حالة الارتباك الممزوج بالفوضى في مصر بعد الثورة؟
 سؤالك يفترض أن الجمهور متشرذم ومنقسم على ذاته،
 وأنا أختلف معك تماماً،
لأن الفوضى والارتباك الذي تشهده مصر الآن تجسيد لأزمة النخبة وانقسامها وتشرذمها في مصر،
 على العكس ربما الجمهور نواة صلبة هي العاصم من انجرار البلاد نحو الفوضى، فوضوية المشهد المصري الراهن نتاج انقسام النخبة المصرية وتشرذمها،
فالنخبة المصرية ليست على مستوى الحدث .
ومانشهده من فوضى هو مسؤولية النخبة وليس الجمهور،
 ولابد من إخراج هذا الجمهور من الوضع التقليدي الذي تتعامل معه النخبة كأداة، الجمهور الذي استمرأ هذا التعامل من جانب النخبة في حاجة إلى أن نبذل جهداً معرفياً لزيادة الوعي لديه،
بحيث ينتقل بمقتضاه من نظرته إلى نفسه على أنه مجرد أداة إلى أن يكون ذاتاً حقيقية تمتلك القدرة على أن تقرر لنفسها وتختار لنفسها .

 كيف تعول على جمهور تبلغ نسبة الأمية فيه 40 في المئة؟
 أنا لا أعول على هذا الجمهور في وضعه الراهن،
 ولكن بعد نقله من حالته التي يرثى لها إلى حالة أخرى يكون فيها مسلحاً بالوعي، ومالكاً لقراره وعلينا ممارسة نقدية للثقافة السائدة من قبل النظام التعليمي
“على أهميته”،
لأن هذا الجمهور هو نتاج هذه الثقافة،
ونحن في حاجة إلى عمل ثقافي على هذا الجمهور، لتحويله من التقليدية التي تجعله صيداً سهلاً للنخبة لتجعله موضوع استمرار للتهييج والإثارة،
 فهو متلق طوال الوقت ولا يشارك في اتخاذ القرار،
 ولابد من إخراج هذا الجمهور من ثقافته التقليدية إلى باحة ثقافة عقلانية نقدية في مجتمعاتنا .

 ثورات الربيع العربي رفعت شعارات: “الحرية، العدالة، الكرامة” لكن الواقع يرفضها لماذا؟
 لأن الشعار لا يكفي مجرد النطق به وحسب،
 أي شعار لكي يتحول إلى حقيقة لابد من توافر ظروف موضوعية تتيح تحول الشعار إلى حقيقة ممكنة،
 النظام السابق كرس مفهوم الفرد كأداة، كيف يتحول هذا الفرد إلى فرد حر،
منبع الأزمة أننا نطلب مطالب في إطار شروط،
 هذه الشروط ليست خصبة بما يكفي لتحويل مطالبنا إلى وقائع على الأرض .

كثير من المصريين يتصورون أن ثورة 25 يناير ثورة ليبرالية،
لكنها في ظني ثورة تفتح الباب أمام توافر الشروط المهيأة لثورة ليبرالية،
 وهي في حاجة إلى شرطين مهمين:
الأول / شرط اقتصادي
 والثاني/ شرط ثقافي،
 فهناك ما يقرب من 40 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر،
وهناك 35 في المئة من الجمهور أميون، فلا تحدثني عن ليبرالية،
 لأن النظام السابق جرف البلاد بحيث لا نستطيع تصنيف العهد البائد بأنه خطوة سابقة على الليبرالية .

 أين الليبرالية التي تتحدث عنها والإسلاميون فازوا بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية ومجلس الشورى الأخيرة؟
 سؤالك يؤكد ما أقوله،
 وهو أن شروط الثورة الليبرالية ليست موجودة،
 ولكن الباب قد انفتح لبلورة ما أقوله،
فأداء الحكومة المقبلة سوف يحاول أن يثبت كفاءته في إدارة الملف الاقتصادي، وسيحاول محاصرة الشروط التي أدت إلى الانقسام السياسي،
 وسوف يتم فتح الباب لمشاركة سياسية أوسع .

 هل تتوقع أن يصحح التيار الإسلامي أخطاء الدولة الحديثة القمعية؟
 من الممكن بشرط أن ينقلب خطابه رأساً على عقب،
 ولابد من إعادة النظر في خطابهم بشكل جذري،
 وهناك اتفاق بين رواد النهضة على أن تفوق الغرب يعود أساساً إلى نظامه السياسي الضامن في رأيهم للحرية والمقيد للسلطة بالقانون،
وأن تأخر الشرق بما فيه البلاد الإسلامية يعود أيضاً إلى طبيعة نظامه السياسي القائم على الاستبداد أن هذا الموقف يصدق على الفكر الإسلامي العربي والإسلامي عموماً، سواء ذلك الذي قام بإسم السلفية أو ذاك الذي أراد أن يكون ليبرالياً،
ولابد من إقامة تنظيمات سياسية تقوم على دعامتي العدل والحرية،
 لكن للأسف هناك بعض الإسلاميين ممن يستدعون الإسلام كمنظومة جاهزة، وفرضها على الواقع الراهن
وفي هذه الحالة ستتم إعادة إنتاج النظام السابق في مصر من جديد،
 نحن في حاجة إلى إسلام مفتوح بلا ضفاف،
 يتجاوب مع الواقع بحيث يكون له دور في تشكيل خطاب مفتوح يتفاعل مع الواقع .

 برأيك ما هو السبيل إلى اقتلاع جذور الاستبداد الكامنة في الوعي العربي؟
 لابد من إعادة بناء العقل على النحو الذي يؤول في النهاية إلى اقتلاع الجذر الأعمق للاستبداد الكامن في تجاويف العقل الغائرة العميقة،
 وهذا يعني أن تحرير العقل هو التوطئة الجوهرية اللازمة لتحرير الواقع،
فالواقع ليس مجرد الممارسة التي تطفو على السطح بقدر ما هو أيضاً،
 ما يكمن تحتها من نظام المعني،
 الذي هو نظام العقل في الآن نفسه،
 وبما يعنيه ذلك من أن الهوية هي جوهر العلاقة بين العقل والواقع،
 ومن دون هذا التحرير للعقل سيظل الاستبداد يعيد إنتاج نفسه في الواقع .

 كيف ترى ثنائية الحداثة والتراث في هذا السياق؟
 لابد من تأسيس العلاقة بين التراث والحداثة على نحو من الاتساق والتوافق
وليس التضاد والتنافر،
 وإذا كان انبثاق الحداثة يرتبط بما يؤسسها وينتجها “التراث” بأكثر من ارتباطه بــــ”الحداثي” الذي ينتج عنها،
 رغم أن هذا الأخير لابد أن يؤثر في مسار تطورها،
 فإن هذا يعني أن أي سعي إلى إنتاج حداثة حقة لابد أن يربط نفسه بالانخراط في عملية إنتاج التراث الذي يؤسسها،
 وإذن فالأمر يتجاوز ما يمكن استنساخه،
لأنه يتعلق بالروحي الذي لا يمكن نقله،
 وبما يعنيه ذلك من ضرورة السعي إلى امتلاكه على نحو حقيقي،
 وذلك عبر إنتاجه في السياق الخاص بالثقافة العربية الإسلامية،
الآن عملية الإنتاج تلك إنما تتحقق ضمن شروط تخص هذه الثقافة الأخيرة،
 فإن الروحي “التراثي” الذي ينشأ في هذه العملية لا يمكن إلا أن يكون خاصاً بتلك الثقافة .


تم النشر في موقع الخليج بتاريخ 9 إبريـــــل 2012



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق